كان يعاملها برفق شديد، ويعتني بها عناية فائقة، توطَّدت علاقته بها، حيث لا يمكنك أن تراه دونها. أسرف كثيرًا في نظافتها وشراء كمالياتها، وقودها، إطاراتها، واستخدم أغلى الزيوت لمحركها، باختصار دلَّل الرجل سيارته، فكانت كل شيء له، صديقته وحبيبته.
وحدث ذات مساء، وبينما كان يقوم بتلميع زجاجها الأمامي، كان ابنه الصغير يلهو كعادة الأطفال، وفي يده حجرًا مدبَّبًا كان يحاول أن يكتب أو يرسم به شيئًا على جسم السيارة. وما إن سمع الآب صوت الخربشة على سيارته المصون ألا وأصابه الجنون، فأسرع نحو ابنه صارخًا في وجهه، وأخذ يضربه على كلتا يديه، بشيء ما كان قد التقطه من شنطة السيارة. وفي ثورة غضبه، كان نظره موزَّعًا بين كفّي ابنه التي امتلأت بالجروح، وبين التجريحات والخطوط في جسم السيارة. وبينما كان الرجل يضرب ابنه بدون آدمية وبلا أدنى إنسانية، استطاعت الأم أن تنزع طفلها، الذي كان يصرخ من شدة الألم، من بين يدي الأب المتهور، لتذهب به وبسرعة إلى أقرب مستشفى، لتكتشف المصيبة الكبرى؛ إذ نتيجة الغضب والتهور، قرَّر الأطباء: بتر بعض أصابع يدي الطفل.
صديقي القارئ وصديقتي القارئة
أعتذر كثيرًا لسرد هذه القصة الحقيقية المؤلمة والموجعة، وأرجو في المحبة أن تسمح لي وتحتملني، إن زاد الألم درجة أخرى، عندما أكمل لك بقية القصة، بعد أن هدأ الأب وأفاق من فعلته الشنعاء وثورة غضبه الحمقاء، وبينما كان يعتذر لابنه، ويحتضنه، ويقبِّله بطريقة هستيرية غيرعادية؛ همس الطفل في أذن أبيه وهو ينظر إلى أصابعه المبتورة قائلاً له: “يا بابا، إمتى تطلعلي صوابع بدل الصوابع اللي قصّها الدكتور”. كانت الكلمات كالسكاكين، تحشّ أحشاء الأب حشًّا. لكن مع قرب نهاية القصة يزداد الألم، ليصل إلى منتهاه، عندما يعود الجميع إلى البيت، ويقترب الأب من سيارته ليركلها بكلتا قدميه، ثم يكتشف ما لا يخطر على باله، بل وفوق طاقة احتماله: أن الخربشة التي خربشها ابنه على السيارة كانت عبارة “أنا بحب بابا”!!
قل لي يا صديقي المخلص الرقيق، يا من تحرّكت مشاعرك وأنت تطالع هذه القصة الحزينة، هل هذا الابن المحب يستحق أن يغضب أحد عليه؟!
أرجو أن تفكر معي الآن بجدية، وتخرج من حيز المكان والزمان، والتي لا بد إن عاجلاً أو آجلاً أن نخرج منها، قبلنا أم رفضنا. تفكَّر في الأبدية، التي أنا و أنت لا محالة راحلون إليها، هل تغضب على المسيح ابن الله الوحيد، أم تقبله ربًّا ومخلصًا؟! ما هو موقفك من هذا الابن الحبيب؟ الذي أحبنا وبذل دماه لأجلنا، بل ويداه التي بها عمل العالمين كالرب القدير، سُمِّرتا لإجلنا بالمسامير، فمكتوب «ثقبوا يديَّ ورجليَّ» (مزمور 22: 16)
ذات مرة سمعوه في مجمع الناصرة، والمسيح لا يحابي الوجوه، ولا يقول سوى الحق، لأنه هو الطريق والحق، «فامتلأ غضبًا جميع الذين في المجمع حين سمعوا هذا، فقاموا وأخرجوه خارج المدينة، وجاءوا به إلى حافة الجبل... حتى يطرحوه إلى أسفل، أما هو فجاز في وسطهم ومضى» (لوقا 4: 28-30).
يقول القديس اوغسطينوس: عن سبب غضب الشعب، إنهم كانوا يحبّون الحق عندما ينير الحق أفكارهم، وكانوا يكرهونه عندما يدينهم.
الناس يريدون كلام النعمة، لكن لا يريدون أن يواجهوا الحق.
صديقي: إياك أن تغضب على الابن، لسبب بسيط لأنه يحبك، لا تنحمق وترفض محبة المسيح وتشبه ذلك الأب الاحمق الذي غضب على الابن الذي يحبه.
أخاف أن تغضب عليه هنا فى الزمان؛ فتدخل الأبدية حزينًا نادمًا وإلى الأبد «هناك يكون البكاء وصرير الأسنان» (متى 22: 13).