مثلا الزوان والشبكة

نواصل تأملنا في أمثال الرب يسوع، وفي هذه المرة سنلقي الضوء علي مثلين هما: مثل الزوان، ومثل الشبكة المطروحة في البحر (اقرأ متى 13: 24-50)، لوجود تشابه بينهما وهو:

  • في المثلين نجد الجيد والرديء معًا: زوان + حنطه، سمك رديء + سمك جيد.
  • في المثلين عبارة كرَّرها الرب مرتان «هكذا يكون في انقضاء العالم».
  • في المثلين ستقوم الملائكة بفرز: الرديء من الجيد، الأشرار من الأبرار.
  • في المثلين وصف لدينونة الأشرار: أتون نار، بكاء وصرير الاسنان.
  • في المثلين رمز للعالم : الحقل، والبحر.

الهدف: من المثلين نخرج بفكرة عن الحالة الحاضرة والآتية للمسيحية بصفة عامة، واهتمام المسيح بالكنيسة، وعداوة الشيطان لها، والخليط الموجود فيها، والفصل بينهما قريبًا.


مفاتيح المثلين: زارعان يزرعان في ذات المكان:


1- ابن الإنسان: وهو الرب يسوع، الزارع الزرع الجيد، الذي جاء إلى العالم، ومات علي الصليب كحبة الحنطة. وإن كان قد ترك العالم إلى حين، لكنه ما زال يزرع بواسطة خدّامه.


المكان: الحقل أو البحر؛ هو العالم أو الناس أو المسيحية الاسمية. مجال زرع الكلمة الإلهية واصطياد النفوس.

2- العدو: هو الشيطان، الشرير، وعداوته الواضحة للمسيح - نسل المرأة - من يوم دخول الخطية للعالم «وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها» (تكوين 3: 15). ولأنه لم ولن يقدر أن يمنع أو يقلع زرع المسيح الجيد، لذا يستخدم مكره وخبثه وعملته المزيفة في زرع الزوان، مستغلاً نوم المؤمنين. مثلما زرع اللفيف وسط شعب الله عندما عجز عن منعهم من الخروج من مصر (عدد 11: 4).

زارعان يزرعان نوعين:

زرع جيد: من مثل الزارع نفهم أن البذار هي كلمة الله، والزرع الجيد هنا هو نتاج كلمة الله.

زوان: حبوب لا يمكن تمييزها بسهولة عن الحنطة، في شكلها وحجمها، ولكنها عكسها في ثمرها ومذاقها، فهي حبوب سامة إذا اختلطت بالطعام. وهذا ما عمله إبليس من البداية؛ إذ يكتب الرسول بولس في أوائل رسائله «لأن سر الإثم الآن يعمل» (2تسالونيكي 2: 7). ففي ظلمة الليل وغفلة الأتقياء، زرع رسل كذبة وأنبياء كذبة ومعلمين كذبة وإخوة كذبة وتعاليم كاذبة. والهدف إيجاد صورة زائفة لعمل الله «لهم صورة التقوى». ومن حكمة الرب وطول أناته علي الأشرار أنه يترك الزوان والرديء مع الحنطة والجيد، يتمتعان بنفس التربة والشمس والمطر لعلهم ينتبهون.

طلبان للتلاميذ من الرب:

  1. أتريد ان نذهب ونجمعه؟
  2. فسِّر لنا مثل الزوان.

والرب أجاب بـ“لا” عن الأول و“نعم” عن الثاني كالآتي:

  1. من طلب التلاميذ الأول نرى غيرتهم علي تحرير الحقل من الزوان. كغيرة المؤمنين أن يحرِّر الرب العالم من الشر والأشرار. لكن هذا سيتم في الوقت المحدد.
  2. في تفسير المثل نري أن الجموع سمعوا وانصرفوا، وقليلون سألوا ليفهموا. وإنه لأَمر محزن أن يسمع الكثيرون المواعظ ويخرجوا كما دخلوا دون أن يستفيدوا. أما التلاميذ، فاغتنموا الفرصة وانفردوا بالرب في البيت، ودارت الأسئلة حول ما سمعوا ليفهموا. وحسنًا يفعل كثيرون من الشباب مع الخدام، إذ ينفردوا بهم وتدور الأسئلة وتزداد المعرفة، بدلاً من الأحاديث الجانبية العقيمة، «ومن له سيُعطى ويزاد».

للفرز أوان

سيأتي يوم الحصاد الذي فيه يكون كل شيء قد نضج، وجهز للجمع، سواء للمخازن أو للحريق. للحياة الأبدية أو للازدراء والعار الأبدي. يوم أن يحصد كل إنسان ثمار ما زرعه في حياته. يوم أن يفرز الرب - الذي يعرف خفايا القلوب - الزوان من الحنطة، والرديء من الجيد.

مصير الأبرار والزوان

الأبرار: سيضيئون كالشمس. ويا له من مجد! هم الآن مستترون وغير معروفين، ومع ذلك فهم كأنوار في العالم تضيء شهادة للمسيح ولمجده. وقريبًا سيلمعون كالشمس (والمسيح هو شمس البر)، لمجدهم وإظهارهم للعالم «متى أُظهِر المسيح حياتنا، فحينئذ تُظهرون أنتم أيضًا معه في المجد» (كولوسي 3: 4).

الزوان: سينطفئون كالليل. وإن كانوا الآن ظاهرين ومشهورين في العالم، ولكن في يوم قادم قريب سيتم جمعهم حزمًا حزمًا للحريق. الآن يوجد حزم - اتحادات - مختلفة لكل فئة ومهنة بين الناس، وفي يوم الدينونة سيكون الاشرار أيضًا حزمًا؛ فهناك حزمة اللصوص، وحزمة السكيرين، وحزمة الزناة، وحزمة المتدينين...

وبالمثل أربعة صفات لمصيرهم:

  1. يطرحونهم: كلمة تُقال عن الشيء المكروه والعفن وعديم النفع.
  2. أتون النار: المقرّ الأخير للأشرار. إشارة لقسوة العذاب.
  3. بكاء: كرب وحيرة وحزن شديد.
  4. صرير الأسنان: تعبير عن الغيظ والندم الشديد.

كلمتان لمن له أذنان:

صديقي القارىء.. أعطاك الرب أذنان للسمع، فماذا تسمع؟ ولمن تسمع؟ هل أعطيت أذنيك للشرير والأشرار؟ للخادعين وكلامهم المعسول؟ تذكّر أن بداية دخول الخطية للعالم كانت من خلال أذني حواء إذ اعطتهما لغواية ومكر الحية. فاحذر وانتبه لهذه الكلمات «يا ابني اصغ إلى حكمتي. أمل أذنك إلى فهمي... لأن شفتي المرأة الأجنبية تقطران عسلاً، وحنكها أنعم من الزيت، لكن عاقبتها مُرّة كالأفسنتين، حادة كسيف ذي حدين» (أمثال 5: 1-4).

وإن كنت - حتي الآن - لست من المخدوعين بخطية معينة، فاحذر من الخدعة الكبرى، وهي الديانة الظاهرية. فإن كنت حذرًا من طريق الفاسدين، فقد تكون مخدوعًا وسائرًا في طريق المتدينين. بل قد تكون من المرنمين أو وسط المصلّين أو حتى في صفوف الخادمين وفي السخاء أول المتبرعين؛ ومع هذا فأنت من الزوان والسمك الرديء!

قد تسأل: كيف أعرف إن كنت جيدًا أم رديئًا؟ زوان أم حنطة؟ صلِّ للرب يسوع قائلاً «اختبرني يا الله، واعرف قلبي. امتحني، واعرف أفكاري. وانظر إن كان فيَّ طريق باطل، واهدني طريقًا أبديًا» (مزمور 139: 23، 24).