مشرط الجراح


من سلسلة: قصة

في يوم عيد ميلاده الحادي والعشرين، تلقى روبرت هالبرت طردًا بريديًا، لما فتحه وجد فيه مشرط جراح. كان روبرت طالب طب، يبغي التخصص في الجراحة؛ لذا فرح بالمشرط الذي وإن كان ليس جديدًا لكن بدا عليه تصميم راقٍ.

مع المشرط كانت هناك رسالة من صديق قديم، وهو طبيب العائلة منذ زمن طويل، وقد كان يهتم بروبرت وأخوه وأخته بعد وفاة أمهم. وفي الواقع كان قرار روبرت بالالتحاق بكلية الطب ناشئًا عن حبه لهذا الطبيب وإعجابه به. كانت الرسالة تقول:

“عزيزي روبرت، أرسل إليك هدية حفظتها لك منذ 21 سنة. إذ قبل ولادتك بليلة واحدة دُعيت لأعالج امرأة شابة مريضة للغاية، وكان هناك ضرورة لإجراء عملية جراحية، استخدمت فيها هذا المشرط، وقد ماتت المرأة بسبب العملية!”.

نظر روبرت للمشرط الذي كان يلمع في ضوء الشمس، وانتابه شعور مفاجئ بالاشمئزاز، إذ كانت فكرة أن هذا المشرط تسبّب في موت شخص ما مزعجة جدًا له، جعلت المشرط في نظره شيئًا بشعًا. على أن روبرت أكمل قراءة الرسالة:

“كان للمرأة زوجًا يحبها، وابن لطيف له من العمر 6 سنوات، وابنة جميلة عمرها عامين. كانت في هذه الليلة على وشك أن تضع مولودها الثالث الذي كانت تنتظره بشوق. كان هذا الطفل هو أنت يا روبرت، والمرأة كانت أمك”.

ارتعد روبرت لما أدرك حقيقة ما في الرسالة. لم يكن يعرف حتى هذه اللحظة كيف ماتت أمه، والآن يجد - فجأة - في يده الآلة التي ماتت بها! أكمل الرسالة:

“طبيًا، لقد فعلنا كل شيء لنحافظ على حياتكما. كانت رغبة أمك أن تحافظ على حياتك مهما كان الثمن. وكانت تعرف جيدًا المخاطر التي قد تنتج عن العملية؛ ومع ذلك أصرت عليها لتنقذ حياتك. وهكذا يا روبرت، فهذا المشرط الذي أنقذ حياتك أنت؛ كلّف أمك حياتها. ولذا أعتقد أنك ستقدِّره كثيرًا”.

امتلأت عينا روبرت بالدموع وهو يضم المشرط إلى فمه ويقبِّله.

لم يوقظه إلا فكر آخر هو موقفه من صليب الجلجثة، الذي كان إلى هذه اللحظة يعتبره مجرد ذكرى لمأساة موت شخص صالح، وكان يعتبره رمزًا للعار. والآن قد أدرك أنه كما أن أمه قد ماتت لتعطيه حياة هنا على الأرض، فقد مات المسيح ليعطيه حياة أبدية. اكتسب الصليب جمالاً في عينيه، وانحنى بقلبه أمام المصلوب طالبًا الغفران محتميًا بدم الصليب.

القارئ العزيز.. ما هو الصليب بالنسبة لك؟! آداة موت؟! رمز لقصة موت شخص صالح؟! أم مصدر حياة أبدية؟!

«فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المخلَّصين فهي قوة الله» (1كورنثوس1: 18).