«سَلِّمُوا عَلَى أَنْدَرُونِكُوسَ وَيُونِيَاسَ نَسِيبَيَّ،
الْمَأْسُورَيْنِ مَعِي، اللَّذَيْنِ هُمَا مَشْهُورَانِ بَيْنَ الرُّسُلِ،
وَقَدْ كَانَا فِي الْمَسِيحِ قَبْلِي» (رومية16: 7)
«أَنْدَرُونِكُوس» اسم معناه “رجل مُنتصِر” أو “رجل الانتصار”، بينما
«يُونِيَاس» اسم معناه “شاب” أو “فتى” أو “غض نضير”. هذان الرفيقان
المباركان، هما نَسِيبَا الرسول بولس، وقد كانا مشهورين بين الرسل. ويُفهَم
من ذلك أنه ربما كان لهما نشاطهما الروحي في أورشليم، ثم سافرا إلى رومية.
وهناك كانا مشهورَيْن أيضًا، بدون الرسول بولس، لأنهما كانا في المسيح
قبله. إنهما بحياتهما صارا شهادة للرب، وفي نفس الوقت كانا مأسورين مع
الرسول. وبالرغم من أننا لا نقرأ عن أعمال لهما، أو عن كونهما مأسورين مع
الرسول، لأن بولس لم يكن قد أُسِر بعد وقت كتابة رسالة رومية، إلا إنه
يُمكن أن يُقال إنهما كانا «مَشْهُورِينَ بِتَعْيِيرَاتٍ وَضِيقَاتٍ (من
أجل الرب)» (عبرانيين10: 33)؛ فكانا في الوقت نفسه “أسيري يسوع المسيح”.
وأرى أن هناك خمسة نقاط لنتأملها في هذين الرفيقين المباركين:
1. نَسِيبَيَّ: ونلاحظ أن الرسول بولس يكرر كلمة «أنسبائي» في هذا الأصحاح
مرتين (رومية16: 7، 11). وربما كان يعني بذلك قرابتهم الجسدية له، مثل
الشاب الوارد ذكره في أعمال23: 16، أو ربما كان يقصد بني جنسه الذين يقول
عنهم كما في رومية9: 3، 4، الذين كان له حزن عظيم ووجع في قلبه لا ينقطع
لأجلهم، وكان على استعداد للتضحية بكل شيء، حتى بنفسه لو أمكن، من أجلهم.
هل لنا هذه المشاعر والعواطف تجاه أقربائنا وجيراننا وذوينا الذين لم
يتعرفوا بالمخلِّص؟ وهل نصلي لأجلهم لكي تفتقدهم نعمة الله؟!
2. الْمَأْسُورَيْنِ مَعِي: وهذا القول لا يعني بالضرورة أنهما سُجِنا في
نفس المكان الذي كان فيه الرسول، لأنه لم يكن قد أُسِر بعد وقت كتابة رسالة
رومية. ولكن العبارة تعني أنهما “أسيري يسوع المسيح” أو أنهما “مأسورين في
الرب”؛ في خدمته، وفي طاعته، أو أنهما تألما من أجل المسيح وتحمَّلا آلامًا
مثل الرسول بولس الذي كثيرًا ما افتخر بذلك (أفسس3: 1؛ 4: 1؛ 2تيموثاوس1:
8؛ فليمون1).
أيها الأحباء، لنتذكر أنه «قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ لاَ أَنْ
تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا أَنْ تَـتَـأَلَّمُوا لأَجْلِهِ»
(فيلبي1: 29). فيلزمنا أن نُضحي لأجل الرب، ولنثق أنه كلما التصقنا بالرب،
وأظهرنا صورة أمينة لصفاته، كلما واجهنا مقاومة أكثر من العالم، بل ومن
جانب المسيحيين بالاسم الذين يستعفون من السير إثر خطواته، لكن إن كنا
نتألم مع الرب يسوع فسنملك أيضًا معه (رومية8: 17).
3. اللَّذَيْنِ هُمَا مَشْهُورَانِ بَيْنَ الرُّسُلِ: وهذا القول لا يعني
أنهما كانا رسولين، وإنما يعني أنهما كانا معروفين جيدًا في دائرة الرسل.
وهناك رجال مشهورون في الدوائر العالمية، وغيرهم في دوائر السياسة أو
الصناعة أو الأدب. ومثل هؤلاء ينالون أجرهم عن طريق شهرتهم أو نجاحهم
المادي أو نفوذهم السياسي... إلخ. أما كوْن الشخص مشهورًا ومعروفًا في
الدائرة المسيحية، فالسبب يكون غالبًا إما نشاطه الروحي، أو قسوة الآخرين
في معاملته وسجنه والافتراء عليه (عبرانيين10: 33). وهؤلاء لهم المكافأة
العظيمة في المستقبل، عندما يختفي من المشهد جميع المشهورين في الدوائر
العالمية، ويُصبحون في طي النسيان مع كل ما يفتخرون به «لأَنَّهُ لاَ بُدَّ
أَنَّنَا جَمِيعًا نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ
وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْرًا كَانَ أَمْ
شَرًّا» (2كورنثوس5: 10).
ولقد كان «أَنْدَرُونِكُوس وَيُونِيَاس مَشْهُورَيْن بَيْنَ الرُّسُلِ» كما
كان المؤمنون العبرانيون أيضًا مشهورين... ولكن كانوا مشهورين بماذا؟!
«مَشْهُورِينَ بِتَعْيِيرَاتٍ وَضِيقَاتٍ (من أجل الرب)» (عبرانيين10: 33).
ويبدو أن تلك التعييرات هي من نوع السخرية والاحتقار، ولكن لمثل هؤلاء يقول
الرب: «طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا
عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ مِنْ أَجْلِي كَاذِبِينَ. فْرَحُوا
وَتَهَلَّلُوا لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ» (متى5: 11،
12).
4. كَانَا فِي الْمَسِيحِ قَبْلِي: معنى هذا أنهما آمنا بالرب يسوع المسيح
قبل الرسول بولس، ربما في سن الشباب. ويا له من امتياز! (ونلاحظ أن
“يُونِيَاس” معنى اسمه “شاب” أو “فتى”). ويا له من امتياز! فإن كل يوم
يُقضَى في الخطية، هو يوم ضائع من العمر، فالحياة الحقة إنما هي الحياة
التي نحياها لله (فيلبي1: 21). وكل الذين خلصوا يأسفون لأنهم لم يرجعوا
للرب مبكرين أكثر مما فعلوا.
قال الجامعة: «اذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ قَبْلَ أَنْ
تَأْتِيَ أَيَّامُ الشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ السِّنِينَ إِذْ تَقُولُ: لَيْسَ
لِي فِيهَا سُرُورٌ» (جامعة12: 1). إنه لامتياز أن تُقدِّم للرب باكورة
حياتك، وقت حرارة الشباب وحيويته، وقوته ونضارته ونشاطه، وحيث الذهن المتقد
المملوء بالآمال والطموح، والمشاريع المقدسة لخدمة الرب وربح النفوس، وهو
ما له أجره الكثير ومجازاته العظيمة أمام كرسي المسيح!
5. لاسميهما دلالة ملحوظة: وبالتأمل في معنى اسميهما بالارتباط مع ما قاله
عنهما الرسول بولس نجد تمام الموافقة والانطباق. “يُونِيَاس” معنى اسمه
“شاب” أو “فتى”وهو ما رأيناه في معرفة المسيح وتسليم الحياة للرب مبكرًا.
و“أَنْدَرُونِكُوس” معنى اسمه “رجل منتصر” أو “رجل الانتصار”. وفي الحقيقة
إن ضبط النفس والتعفف والتعقل هو النصرة الكبرى الحقيقية. وإن أعظم انتصار
هو أن يكون الانسان مالكًا روحه، ضابطًا نفسه، كابحًا لجماح الشهوات
الطبيعية، فلا يُعطي فرصة للعواطف الجسدية أن تظهر، وتكون كل شهوة ورغبة
عنده مُستَأْسَرة لطاعة المسيح.
والشخص القوي المنتصر هو الذي له السلطان والسيطرة والسيادة على ذاته.
ومَنْ لا يستطيع أن يضبط نفسه وينتصر على رغباتها ويتغلب على حبها
للمَلَذَّات فهو مغلوب دائمًا: «مَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ
مَدِينَةً». وعلى النقيض من ذلك: «مَدِينَةٌ مُنْهَدِمَةٌ بِلاَ سُورٍ
الرَّجُلُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى رُوحِهِ» (أمثال16: 32؛ 25:
28). وكم من جبابرة قهروا ممالك ولكنهم انهزموا في محاولة ضبط أنفسهم!
ولكننا نعتقد أن “أَنْدَرُونِكُوس” كان اسمًا على مُسَمَّى؛ “رجلاً
منتصرًا”، فمارس ضبط النفس والحكم على الذات في حياته، كمؤمن بالرب يسوع
المسيح.
وكل مؤمن مسيحي هو في الحقيقة في سباق وجهاد روحي دائم، يسعى نحو الهدف،
منتظرًا نوال الجائزة السماوية (عبرانيين12: 1؛ فيلبي3: 14)؛ فيجب عليه أن
يضبط نفسه في كل شيء ويقمع جسده ويستعبده (1كورنثوس9: 24-27) مُعتَمِدًا
اعتمادًا كاملاً على الروح القدس فينا (غلاطية5: 22، 23)، والمسيح في
السماء لأجلنا (فيلبي4: 13).
وباقتران اسم “أَنْدَرُونِكُوس” (القوة) مع اسم “يُونِيَاس” (شاب)، نجد صفة
مباركة يا ليتنا نتحلى بها: «كَسِهَامٍ بِيَدِ جَبَّارٍ هَكَذَا أَبْنَاءُ
الشَّبِيبَةِ» (مزمور127: 4). نعم، يا ليتنا جميعًا نكون كذلك!