حبة الخردل والخميرة الصغيرة

ما زلنا نقف أمام جزء هام من أقوال ربنا يسوع وتعاليمه العظيمة، والتي وردت في صورة أمثال تكلم بها بأسلوب بسيط يصل به للسامع والقارئ البسيط لتلك التعاليم السامية والعظيمة. والآن سنلقي الضوء على مثلين:

في أمثال متى13، نرى صورة للزمان الحاضر الذي بدأ بمجيء الرب يسوع الأول بالجسد، ويستمر حتى مجيئه الثاني. وهذا الزمان وضَّحه الرب من خلال الأمثال في شكلين:

الأول: خارجي عَلَّمه للناس، والثاني: داخلي عَلَّمه للتلاميذ. وهذا ما نراه في المثلين موضوع تأملنا:

1- في مثل حبة الخردل، نرى الصورة الخارجية لانتشار المسيحية.

2- في مثل الخميرة، نرى الصورة الداخلية للمسيحية.

يوجد بالمثل ثلاثة عناصر رئيسية هي: حبة الخردل، والشجرة العظيمة، وطيور السماء، نركز على اثنين منها هنا.

حبة الخردل:

هي الصُّغرى بين الحبوب في الحجم والوزن والقياس، لكنها تحمل في داخلها قوة حياة. وهي في ذلك ترمز للمسيحية التي بدأت يوم الخمسين بالاثني عشر تلميذًا وقطيع صغير من المؤمنين، ولكنها نَمَت سريعًا؛ إذ نقرأ عن ثلاثة آلاف ضَمَّهم الرب للكنيسة في يوم واحد (أعمال2: 41). ويمكن أن نرى فيها المؤمن في بداية إيمانه، فهو كالطفل المولود حديثًا: «كأطفال مولودين الآن»، لكنه يحمل في داخله حياة جديدة وطبيعة جديدة قابلة للنمو الروحي. فالإيمان والمحبة والمعرفة كلها مع الوقت تزداد وتنمو.

طيور السماء:

 من شرح الرب لمثل الزارع نفهم أن طيور السماء ترمز للشيطان (متى13: 19)، الذي إذ رأى انتشار المسيحية بدأ بحربه الخارجية كالأسد بالعنف والقتل (عصر الاستشهاد). ثم بدأ بالحرب الداخلية كالحيَّة، وذلك بإدخال المعلمين الكذبة والرسل الكذبة والإخوة الكذبة في وسط المؤمنين. والتاريخ يؤكِّد أن الازدهار الخارجي للمسيحية قد حوى فسادًا وشرًّا داخليًّا. ويجب أن نفرِّق بين المسيحية الحقيقية وبين العالم المسيحي بصفة عامة.


مثل الخميرة الصغيرة

يحوي أيضًا ثلاثة عناصر هي: الخميرة، والدقيق، والمرأة.

ثلاثة أكيال دقيق:

 قد ترمز إلى الجنس البشري، الذي انحدر من أبناء نوح الثلاثة: سام وحام ويافث. أو ترمز إلى تكوين الإنسان الثلاثي: نفس وروح وجسد.

المرأة:

هي الأداة البشرية الضعيفة التي استخدمها الشيطان لدَسِّ التعاليم الكاذبة وسط المسيحية.

الخميرة:

 لها تفسيران على النقيض من بعضهما:

1- فسرها البعض على أنها النعمة أو الإنجيل وانتشارهما السريع في كل العالم حتى يصير كله للمسيح وهذا فكر خاطئ لأن:

* لا يوجد دليل كتابي أن العالم كله سيؤمن بالمسيح بالكرازة بالإنجيل.

* الخميرة ليست صورة لشيء حسن بل هي رمز للشر.

 * الخميرة تنتشر في العجين في الخفاء والكرازة بالإنجيل تتم علانية.

* الخميرة تجعل العجين ينتفخ والنعمة وكلمة الله تجعلان المؤمن يتضع.

* إن كانت الخميرة شيئًا حسنًا فلماذا خبأتها المرأة في الدقيق؟ لقد قال الرب يسوع:

 «أنا كلمتُ العالم علانية... في الخفاء لم أتكلم بشيء» (يوحنا18: 19-21)، وعن الرسول بولس قيل إنه كان يُجاهر مدة ثلاثة أشهر (أعمال19: 8).

2- التفسير الثاني، والذي نتعلّمه الكتاب المقدس، هو أن الخميرة ترمز للشر وهذا هو الدليل:

في العهد القديم: تأتي الإشارة إلى الخمير حوالي 70 مرة؛ نذكر منها كلام الرب للشعب في ليلة خروجهم من مصر: «سبعة أيام تأكلون فطيرًا. اليوم الأول تنزعون الخمير من بيوتكم فإن كل من يأكل خمير من اليوم الأول إلى اليوم السابع تُقطَع تلك النفس من إسرائيل» (خروج12: 15).

وفي العهد الجديد: تأتي الإشارة للخمير حوالي 13 مرة؛ كلها مرتبطة بالشر، نذكر منها قول الرب للتلاميذ: «تَحَرَّزوا من خمير الفريسيين الذي هو الرياء» (لوقا12: 1).
(للمزيد اقرأ خروج13: 3؛ لاويين2: 11؛ تثنية16: 3؛ متى16: 6؛ 1كورنثوس5: 6–8).

أخي القارئ، أختي القارئة، تَحَذَّر؛ فالشيطان له مكان في وسط المعترفين بالمسيح، وله خبرة طويلة بالإنسان، ويعرف كيف يتسلل إلى حياته، وله أنواع كثيرة من الخمير وبمكر ودهاء يدسها وسط الكنائس وفي النفوس. وخميرة صغيرة تخمر العجين كله! فاحفظ روحك ونفسك وجسدك، ولا تستصغر الخطية وتَستَهِن بها لا فكرًا أو قولاً أو فعلاً! وإليك بعض أنواع الخمير:

1- خمير الفريسيين؛ الرياء والتَدَيُّن الخارجي (لوقا12: 1).

2- خمير الصدوقيين؛ إنكار شيء من المكتوب (متى16: 6؛ 22: 23).

3- خمير هيرودس، الذي كان يسمع المعمدان بسرور ويعيش في الشر والفجور (مرقس6: 20؛ 8: 15).

4- خمير الشر الأدبي، فاحذر من المعاشرات الردية والقنوات الفضائية (1كورنثوس5: 1–7).

5- خمير الشر التعليمي، واحذر من المعلمين الكذبة (غلاطية5: 9).