بعد أن أغرق الله العالم القديم بالطوفان أيام نوح، أقام ميثاقًا مع نوح ونسله وكل ذوات الأنفس الحية التي على الأرض والتي خرجت معه من الفلك، فلا ينقرض كل ذي جسد أيضًا بمياه الطوفان. وعلامة ذلك الميثاق الذي وضعه الله بينه وبين كل الخليقة هو قوس في السحاب (تكوين9: 9-17؛ إشعياء54: 9). وجاءت الإشارة إلى القوس في حزقيال1: 29؛ رؤيا4: 3؛ 10: 1. ولقد جاء عهد الله هذا مع نوح والخليقة بناءً على دم المحرقات التي أصعدها نوح في تكوين8: 20.
ويتكون قوس قُزَح نتيجة انكسار أشعة الشمس أثناء مرورها من خلال قطرات المياه المتساقطة أثناء المطر، فتظهر ألوان الطيف السبعة الجميلة وهي بالترتيب: الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق، النيلي، البنفسجي.
وضوء الشمس الأبيض إشارة إلى ربنا يسوع المسيح الذي قال: «أنا هو نور العالم» (يوحنا8: 12)، ومكتوب: «الله نور» (1يوحنا1: 5)، وهو أيضًا: «أبو الأنوار» (يعقوب1: 17).
والسحب والأمطار تتكلم عن الآلام والتجارب التي دخلها ربنا يسوع المسيح عندما جاء إلى أرضنا، فهو الذي في حضن الآب، ومن عند الآب خرج وأتى إلى هذا العالم الفاسد الشرير، وتألم مُجَرَّبًا، وكان رجل الأوجاع ومُختَبِر الحَزَن، ولقد انكسر قلبه في هذا العالم من قسوة الأشرار وتعييراتهم وشرورهم. وعندما مَرَّ بكل هذه التجارب والآلام، انكسر قلبه فأعلن قلب الله المحب، وظهرت صفاته الجميلة، فلقد أظهر كمالاً وقداسة وصبرًا واحتمالاً ووداعة وتواضعًا وخضوعًا وحِلمًا وشكرًا. ولكن كان لا بُد أن يجتاز سحبًا أكثر سوادًا، وأمطارًا أكثر غزارة وسيولاً جارفة. وهذا ما تم عندما ذهب - تبارك اسمه - إلى الصليب حيث أظلمت الشمس وانصَبَّت عليه مياه الدينونة الثقيلة والكثيفة والمُفزِعة في ساعات الترك الإلهي، حين كان «غمر ينادي غمرًا»، ولقد قال بروح النبوة: «السيل غمرني» (مزمور69: 2). وكل هذه الآلام الرهيبة أعلنت بوضوح مجد الله العظيم، ومحبته غير المحدودة للبشر، ورحمته الكثيرة، ونعمته الغنية، وقداسته المطلقة، ورأفته العظيمة، وعدالته، وبره. أي ظهرت ألوان الطيف الجميلة من خلال السحب والأمطار، لأن كل لون يُظهِر صفة معينة من صفات الله الرائعة.
وقوس قُزَح يشير إلى ربنا يسوع المسيح من عدة أمور:
* قوس قُزَح يظهر بعد وجود السحب الداكنة والسوداء وهطول الأمطار، وهكذا جاء ربنا يسوع المسيح إلى الأرض بعد دخول الخطية.
* قوس قُزَح يظهر بين السماء والأرض وهو إشارة إلى المسيح الوسيط الوحيد بين الله والناس (1تيموثاوس2: 5)؛ وهو الذي قال: «ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي» (يوحنا14: 6).
* قوس قُزَح علامة عامة يمكن للكل أن يراها بدون استثناء، وفي هذا إشارة إلى نعمة الله المُخَلِّصة المُتَّجِهة إلى جميع الناس (تيطس2: 11)، والتي أعلنها ربنا يسوع المسيح عندما جاء إلى أرضنا مملوءًا نعمة وحقًّا.
* بسبب وجود قوس قُزَح اطمأنت كل الخليقة أنه لا يوجد طوفان آخر ليُغرِق الأرض، وفي هذا نجد أن المؤمنين الذين قد صاروا خليقة جديدة في المسيح يسوع قد وجدوا الأمان فيه وأن الدينونة قد عبرت عنهم، وإلى الأبد، كما هو مكتوب: «إذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع» (رومية8: 1).
* قوس قُزَح يُعلن أن الله في الغضب يذكر الرحمة؛ أي إن هناك رحمة مخزونة لنا وقت الآلام والتجارب (حبقوق3: 2). فعندما تظهر السحب الداكنة والعواصف والأمطار، تذكر أن قوس قُزَح سيظهر مباشرة؛ أي إن الرب يسوع سيتدخَّل بطريقة ما، مُعطيًا لك معونة وتشجيعًا، فهو الذي كان مع الفتية الثلاثة في أتون النار المتقدة. واعلم أن من وراء كل تجربة وألم، الله يجهِّز لك خيرًا جزيلاً. وهذا يملأ قلوبنا جميعًا بالتشجيع والسلام. والشيء المُعَزِّي أن تعرف أن الذي ينشر السحاب في السماء هو الله وبالتالي هو بنفسه سيُظهِر مجده بطريقته.
ويمكن تلخيص ما سبق بمعادلتين:
ضوء الشمس الأبيض + سحب وغيوم وأمطار
= قوس قُزَح بألوانه الرائعة
محبة الله + آلام وتجارب = رحمة الله ومجده
* ليس فقط عين الإنسان هي التي تنظر القوس في السحاب، بل أيضًا عين الله، حيث قال: «فمتى كانت القوس في السحاب أُبصرها» (تكوين9: 16). وهذا يُعطي للإنسان أن يكون في شركة مع الله في التطلع والنظر إلى هذه القوس التي في السحاب، وفي هذا يشير قوس قُزَح إلى المسيح الذي من خلاله صرنا في شركة مع الله أبينا كما هو مكتوب (1يوحنا1: 3). فالمسيح - له المجد - هو شبع قلب الآب وهو أيضًا شبع قلوب المؤمنين.
* * *
الله وضع قوسه في السحاب كعلامة العهد الذي عمله مع نوح والخليقة، حيث إنه لن يُخرِب الأرض ثانية بالطوفان، لكنه في المستقبل سوف يدين الأحياء على الأرض ثم يدمرها ليس بالماء بل بحريق النار كما هو مكتوب: «وأما السماوات والأرض الكائنة الآن فهي مخزونة بتلك الكلمة عينها محفوظة للنار إلى يوم الدين وهلاك الناس الفجار» (2بطرس3: 7).
لذلك أرجو أن تكون مستعدًا، وذلك بالتوبة القلبية والاعتراف للرب بكل خطاياك، وثق في محبته لك وأنه بذل نفسه على الصليب لأجلك، فتتمتع بغفران خطاياك وتمتلك الحياة الأبدية وتنجو من الغضب الآتي.
أخي، أختي، عندما تهب الرياح العاتية، ويهيج البحر بأمواجه المتلاطمة، وتصبح السحب داكنة وسوداء، وتسقط الأمطار الغزيرة، وتُغلَق الأبواب المفتوحة، وتأتي الآلام والتجارب؛ فلا تَخَف، بل تَشَجَّع! لا تضطرب، بل ليملأ قلبك سلام الله! ارفع عينيك نحو السماء لتبصر قوس قُزَح الحقيقي؛ ربنا يسوع المسيح، الجالس في يمين العظمة في الأعالي، وملائكة وسلاطين وقوات مُخضَعة له، وهو لحساب شعبه، وثِق أنه سيُظهِر مجده من خلال ظروفك وآلامك!