عازف الكمان الشهير “فريتز كرايزلر” (1875 1962)، وجد كمانًا رائعًا في إحدى جولاته للتسوُّق، وقتها لم يكن لديه مالٌ يكفي لشرائه. وبعد ما جمع مالاً يفي بالسعر الغالي المطلوب، رجع إلى البائع راجيًا أن يشتري تلك الآلة النادرة، ولكن خاب أمَله لما عَلِم أن أحد هواة جمع التُحَف اشتراه، ليُعلِّقه في متحفه.
شق “كرايزلر” طريقه إلى بيت المالك الجديد، وعرض عليه شراء الكمان، ولكن جامع التحف قال إن تلك التحفة الموسيقية غَدَت من مقتنياته الفاخرة، ولن يبيعها البتَّة.
وكاد “كرايزلر” يمضي في سبيله خائبًا، إلا إن فكرة خطرت بباله، فسأل مالك الكمان: “أَ تسمح لي بأن أعزف على هذه الآلة مرَّة أخيرة قبل أن يُحكَم عليها بالصمت؟” فأذن له الرجل.
وإذا بعازف الكمان العظيم يملأ الغرفة بموسيقى تُحرِّك القلب، وتهزُّ المشاعر، مما جعل عواطف جامع التحف تتأثر حتى الأعماق، فهتف قائلاً: “ليس من حقي أن أحتفظ بهذه الآلة لنفسي. إنها لك يا سَيِّد كرايزلر. خذها إلى العالم، وليسمعها الناس!”
وبالنسبة لنا نحن المُخلَّصين بالنعمة، يُشبه الإنجيل أنغام السماء الخلابة المُبهجة جدًا، فليس من حقِّنا أن نُبقيه لأنفسنا. والمسيح يطلب إلينا أن نحمله إلى العالم، وندع الناس يسمعونه، حتى إذا قبلوه نالوا السعادة الأبدية. لقد قال: «ﭐذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مرقس16: 15).
أيها الأحباء: لقد خلُصنا من عبودية الخطية وسلطانها، صرنا مُسَامَحين، وقلوبنا مُطهَّرة بدم المسيح الكريم، ودخلنا إلى حضرة الله حيث الفرح والسلام والراحة الدائمة، ولنا رجاء حي بالحياة المجيدة التي وراء هذا العالم، وأفضل من كل هذا لنا المسيح نفسه الذي يملأ احتياجنا من كل وجه؛ فلنا فيه موارد لا تنفد، وينابيع لا تنضب ولا تجف. حقًا إن لنا الكثير مما يستحق أن نُخبِر الآخرين عنه ليحصلوا على مثل ما حصلنا. فهل نكون أنانيين؟ هل نحتفظ بالكل لأنفسنا؟ أم نذهب ونُخبر الآخرين؟ هلا نعزف لهم سيمفونية الإنجيل المُبهجة المُفرحة! إن المسيح الذي بذل نفسه بدافع المحبة لله وللإنسان، هو وحده الذي يُشبع جوع النفس البشرية (يوحنا6: 50). والكثيرون حولنا من كل ناحية يهلكون بسبب الجوع إلى خبز الحياة، وفي استطاعتنا أن نسد عوزهم، فهلا نفعل! قد يكون الجالس إلى جوارك، في مدرستك أو معهدك أو عملك، يومًا بعد يوم، لا يعرف المسيح، وأنت لم تُخبره عنه قط. نحن أنفسنا قد سمعنا من آخرين “الأخبار المُفرحة”، وصار المسيح مُخلِّصًا لنا، فهل أخبرنا الآخرين عن قيمة المسيح بالنسبة لنا، وما نلناه من خلاص؟ هل حاولنا أن نسد أعوازهم؟ إن عندنا ما يحتاجون إليه، فهل نقدِّمه إليهم؟ لقد كانت آخر وصية أعطاها لنا مَن نحبه هي: «ﭐذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مرقس16: 15)، فهلا نذهب ونُخبر الآخرين! هلا نعزف لهم أنغام بشارة نعمة الله!
أيها الأحباء، لقد وصل الإنجيل إلينا فخلُصنا بدم المسيح الكفاري، ولكننا نخاطر ونحتفظ بالبركة لأنفسنا، غير عالمين أننا إن كنا لا نتقدم في الحياة المسيحية، فلا بُد أن نتأخر. إن سر النمو هو في النشاط بقوة الروح القدس؛ فإن كنا نتكاسل، ولا نعمل شيئًا لأجل المسيح، فلا شك أننا نهزل ونضعف. إن الخدمة هي من مستلزمات الحياة المسيحية، فيجب أن نعمل للمسيح. نحن لم نَخلُص لكي نأخذ الفائدة لأنفسنا فقط، ولا لكي ننجو من العذاب ونذهب للسماء فقط. كلا، بل قد خَلُصنا لنخدم. إذا لم أستخدم عضلاتي فهي تُصاب بالشلل، وإذا لم أجد شيئًا لأعمله أفقد قوتي ونشاطي. فهلا نعزف لمن حولنا ألحان الخلاص والحرية!
إن الرب لا يطلب منك أن تُخلِّص ولو نفسًا واحدة، لأنك لن تستطيع ذلك، لأن «لِلرَّبِّ الْخَلاَصُ» (مزمور3: 8؛ يونان2: 9). لكنه يطلب منك أن تقدم للنفوس «كلمة الصليب» و«بشارة نعمة الله»، وأن تقودهم ليتقابلوا مع المُخلِّص. علينا أن نتكلم بالكلمة، لكن الله هو الذي سيفتح القلوب لتصغي، وهو الذي سيحوِّل القلوب رجوعًا إليه.
يوجد آلاف من المسيحيين - ويا للأسف - لا يتكلمون عن سَيِّدهم قط! يُمكنهم أن يُكلموا الآخرين عن كل شيء وألسنتهم تسابق الريح، ولكن عندما يأتي مجال للكلام عن المسيح يبكمون. لهم أصدقاء ممن لا يعرفون المسيح، ولكنهم اختشوا أن يكلِّموهم عنه بكلمة واحدة. يكون صوتهم عاليًا عند الكلام في شتى الموضوعات، ولكن عندما تأتي الفرصة للكلام عن المسيح فالسكوت أحرى. أسفًا عليهم! هل يخجلون من المسيح؟ الحقيقة هي أنهم لا يفكِّرون جيدًا في كون أصدقائهم وأقرانهم هالكين حقًّا، لأنهم لو فكَّروا في ذلك ما كانوا ليستريحوا ليلاً ولا نهارًا حتى يطمئنوا على خلاصهم. نعم، كيف يستريحون؟ فإلى متى هذا الإهمال وهذه الأنانية؟ فهلا نذهب ونُخبِر الآخرين! هلا نعزف لمن حولنا موسيقى النعمة من قيثارة الإنجيل السماوية!
إذا كنا قد وجدنا فرحًا حقيقيًّا في المسيح فلماذا لا نُخبِر الآخرين؟ وإذا كنا نوقن في أنفسنا أن أعزاءنا هالكون، وأنهم سيذهبون إلى العذاب الأبدي، وسينفصلون عنَّا إلى الأبد، فكيف نسكت عن التوسل إليهم أن يقبلوا المسيح مُخلِّصًا؟!
إذا لم نذهب ونُخبِر الآخرين فنحن أنفسنا سنصير فاترين عديمي الثمر، وسيأخذ أجرنا آخر أما نحن فسنخسر. «إِذَا قُلْتُ لِلشِّرِّيرِ: مَوْتًا تَمُوتُ، وَمَا أَنْذَرْتَهُ أَنْتَ وَلاَ تَكَلَّمْتَ إِنْذَارًا لِلشِّرِّيرِ مِنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ لإِحْيَائِهِ، فَذَلِكَ الشِّرِّيرُ يَمُوتُ بِإِثْمِهِ، أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ» (حزقيال3: 18). يا له من إنذار خطير: «أَمَّا دَمُهُ فَمِنْ يَدِكَ أَطْلُبُهُ»!
أيها الأحباء.. «لَسْنَا عَامِلِينَ حَسَنًا. هَذَا الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ بِشَارَةٍ وَنَحْنُ سَاكِتُونَ! فَإِنِ انْتَظَرْنَا إِلَى ضُوءِ الصَّبَاحِ يُصَادِفُنَا شَرٌّ. فَهَلُمَّ الآنَ نَدْخُلْ وَنُخْبِرْ» (2ملوك7: 9). فيا إخوتي الأحباء، هَلُم نحن أيضًا نذهب ونُخبِر الآخرين! النفوس من حولنا تهلك بدون المسيح، فعلى كل واحد منا مسؤولية أن نذهب ونخبرهم عن محبته وخلاصه الكامل.
عزيزي، يومًا ما أخبرك أحدهم عن المسيح، فهل أخبرتَ عنه أحدًا ما مؤخَّرًا؟!