(3) أسماؤه-أصله-سقوطه
رأينا في المرة السابقة أن الشيطان هو شخص حقيقي في العالم غير المنظور،
وأنه كائن روحي كالملائكة، وأنه مخلوق عاقل، ناطق، حر الإرادة، خالد. ومن
حيث الحكمة والذكاء والقوة، فهو كائن مُتميِّز ومقتدر. وهذه الإمكانات قد
أُعطيت له من الله عندما خُلِق. لكنه مع ذلك فهو محدود لأنه مخلوق. وهو
رئيس لمملكة ضخمة مُنظَّمة، ولها حرية حركة وسرعة فائقة وتنسيق تام فيما
بينها. ودائرة نشاطه هي الأرض والسماوات المخلوقة.
والشيطان لا يعرف المحبة بل هو منبع الكراهية؛ فهو يكره الله ويريد أن يتلف
كل ما يعمله، ويُعطِّل ويُفشِّل كل مشروعاته. ويكره الإنسان الذي هو غرض
محبة الله، ويسعى لتدميره. إنه قَتَّال للناس من البدء (يوحنا8: 44)، وهو
عدو الخير، ومصدر كل شر وفساد وإرهاب في العالم، والعالم خاضع لسيطرته.
وفي مفارقة صارخة نرى أن: [1] المسيح هو «النور الحقيقي» (يوحنا1: 9)، أما
الشيطان فهو «سلطان الظلمة» (كولوسي1: 13). [2] المسيح هو «الطريق»
(يوحنا14: 6)، أما الشيطان فهو «المُضِل» (2يوحنا7؛ رؤيا12: 9). [3] المسيح
هو «الحق» (يوحنا14: 6)، أما الشيطان «فليس فيه حق» (يوحنا8: 44). [4]
المسيح هو «الحياة» (يوحنا6: 14) وهو «يُحيي مَنْ يشاء» (يوحنا5: 21)، أما
الشيطان فهو الذي «له سلطان الموت» (عبرانيين2: 14). [5] المسيح هو
المُحرِّر (يوحنا8: 36)، أما الشيطان فهو المُستعبِد (عبرانيين2: 15). [6]
المسيح هو “المُخلِّص” (متى1: 21)، أما الشيطان فهو «المُهلِك» (رؤيا9:
11). [7] المسيح هو «الشفيع» (1يوحنا2: 1)، أما الشيطان فهو «المُشتكي»
(رؤيا12: 10).
ويمكننا أن نسترسل في استعراض أشهر الأسماء التي وردت في الكتاب عن هذا
العدو، والتي تُحدِّثنا عن أصله، وصفاته، وأعماله على النحو التالي:
[1] «الكروب المُنبسِط المُظلِّل» (حزقيال28: 14)،
[2] «زُهرة بنت الصبح» (إشعياء14: 12)، وهذان الاسمان
يُعبِّران عن أصل الشيطان قبل أن يسقط.
[3] «الحية»، «الحية القديمة» (تكوين3؛ رؤيا12: 9)، وهذه
أول إشارة للشيطان في الكتاب المقدس بعد سقوطه عندما جرَّب الإنسان في
الجنة.
[4] «إله هذا الدهر» (2كورنثوس4: 4).
[5] «رئيس هذا العالم» (يوحنا14: 30؛ 12: 31).
[6] «رئيس سلطان الهواء» (أفسس2: 2)، وهذا يتضمَّن أنه
يتحكَّم في ما يُبَث في الفضائيات عن طريق الأقمار الصناعية، كما أنه يُثير
العواصف والرياح ويُهيِّج الظروف ضد المؤمن ليُعكِّر صفوه ويُكدِّر حياته.
[7] «الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية» (أفسس2: 2).
[8] «بعلزبول» (متى9: 34).
[9] «التنِّين العظيم» (رؤيا12: 9)، وهذا الاسم يشير إلى
شراسته وعداوته.
[10] «بليعال» وتعني “بلا فائدة” (2كورنثوس6: 15).
[11] «الشرير» (يوحنا17: 15؛ أفسس6: 16؛ 1يوحنا2: 14؛ 3:
12).
[12] «كَذَّاب وأبو الكَذَّاب» (يوحنا8: 44)، وهذا ما ظهر
في الجنة.
[13] «القوي» (لوقا11: 21)، فقد كان يُحكِم قبضته على
النفوس، لكن المسيح وهو “الأقوى” منه قد ربط القوي ونهب أمتعته.
[14] «إبليس» ويعني “المشتكي” (رؤيا12: 10).
[15] «الشيطان» ويعني “الخصم أوالمقاوِم” (أيوب1: 6).
[16] «المُجرِّب»، فقد جرَّب الرب يسوع في بداية خدمته
على الأرض (متى4: 3)، وجرَّب المؤمنين (1تسالونيكي3: 5).
[17] «الصياد» (مزمور91: 3) الذي يقتنص النفوس ليُهلكها
(2تيموثاوس2: 26).
[18] «الأسد الزائر» الذي يجول مُلتمسًا مَنْ يبتلعه
(1بطرس5: 8). [19] «أبدون»، و«أبوليون» (رؤيا9: 11)، وتعني “المُهلِك”.
بعد كل هذا هل يمكن أن يكون الله، وهو نبع الحب والخير، قد خلق هذا الكائن
البشع بهذه الصورة؟ الجواب بكل تأكيد: كلا! لقد خلقه في أبهى صورة، وكان
أسمى المخلوقات يوم خُلِق. خلقه قبل الإنسان في الماضي السحيق، وكانت له
سلطة واسعة ومركز رفيع. ونسمع شهادة الرب نفسه عنه قائلاً: «أنت خاتم
الكمال، ملآن حكمة وكامل الجمال (أي إنه يعكس جمال الخالق وبهائه ومجده
وحكمته)... أنت الكروب المُنبسِط المُظلِّل... بين حجارة النار تمشيتَ. أنت
كامل في طرقك من يوم خُلِقتَ حتى وُجِد فيك إثم... قد ارتفع قلبك... سأطرحك
إلى الأرض» (حزقيال28: 12 18). من هذا النص نفهم أنه عندما خُلق كان
كروبًا. والكروبيم (جمع كروب وهو أحد أنواع الملائكة) هم طبقة سامية من
الملائكة، ولكل واحد جناحان، وليس ستة أجنحة كالسرافيم (إشعياء6). وهم
يختصون بأعمال البر والقضاء. وهم الذين أقامهم الرب الإله بلهيب سيف
مُتقلِّب، بعد طرد الإنسان من الجنة، لحراسة طريق شجرة الحياة (تكوين3:
24). وفي خيمة الاجتماع نقرأ عن كروبَيْن من ذهب على غطاء التابوت، مُظللين
بأجنحتهما على الغطاء، ووجهاهما نحو الغطاء، حيث يُرش الدم للكفارة، فهما
يُمثلان بر الله وقضاءه (خروج25: 18 20).
هذا المخلوق كان أقرب مخلوق لعرش الله. ولفرط جماله البديع ومركزه الرفيع
ارتفع قلبه، وكان هذا سبب سقوطه. وعن سقوطه نقرأ هذه الكلمات: «كيف سقطت من
السماء يا زُهرة بنت الصبح؟ كيف قُطعتَ إلى الأرض يا قاهر الأمم؟ وأنت قلت
في قلبك: أصعد إلى السماوات، أرفع كرسيَّ فوق كواكب الله، وأجلس على جبل
الاجتماع... أصير مثل العلي. لكنك انحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجُب»
(إشعياء14: 12 15). كانت هذه هي خطية الشيطان الأولى، وعِلَّة سقوطه. وعلى
قدر ارتفاعه على قدر ما كان سقوطه عظيمًا. وقد قال الحكيم: «قبل السقوط
تشامخ الروح». لقد كان ضمن كواكب الصبح اللامعين الذين هتفوا وترنموا
مادحين الخالق العظيم عندما أبدع الخليقة لأول مرة، مُعلِنًا مجده وحكمته
وقدرته (أيوب38: 7). لكنه عندما أراد أن يرفع كرسيه فوق كواكب الله ويصير
مثل العلي، سقط وانحدر إلى أسافل الجُب، واكتسب كل الخواص البشعة التي
رأيناها.
وسنرى في المرة القادمة - بمشيئة الرب - ماذا حدث بعد سقوطه.