هو أول من دُعي من رسل المسيح، فقد كان أحد التلميذين اللذين سمعا شهادة يوحنا المعمدان عن المسيح وتبعاه (يوحنا1: 37). ولهذا نعتبره أول تلاميذ المسيح.
وعلى الرغم من أن الحديث عن بطرس يملأ العهد الجديد بينما أندراوس لا يُذكَر إلا في عبارات قليلة، فإن الذي أتى ببطرس إلى المسيح هو أندراوس. وقد قَبِل أن يبقى في الظل حتى إنه يُعرَف دائمًا أنه أخو سمعان بطرس، وكأن هذا النسب يرفع من شأنه. وفي الواقع، إلى جانب المواضع التي تم فيها تعداد التلاميذ الاثني عشر، لم يرد اسم أندراوس إلا 9 مرات في العهد الجديد ومعظمها تذكره بشكل عابر.
“أندراوس” كلمة يونانية من أصل يفيد معنى الرجولة، فمعنى اسمه: رجولة، شجاعة ، شهامة. لذا يمكننا أن نسميه: رجل حقًّا (وقد تبرهن هذا فيما سُجِّل عنه في الكتاب). وكان من سكان مدينة بيت صيدا في الطرف الشمالي الشرقي لبحيرة طبرية، من ذات مدينة فيلبس.
كان أندراوس واحدًا من تلاميذ المعمدان. وذات يوم سمعه وتلميذ آخر (على أغلب الظن يوحنا) يهتف عن المسيح: «هوذا حمل الله!»؛ فما كان منهما إلا أن تبعا يسوع، «فالتفت يسوع ونظرهما فقال لهما: ماذا تطلبان؟ فقالا: ربي (الذي تفسيره يا معلم) أين تمكث؟ فقال لهما: تعاليا وانظرا. فأتيا ونظرا أين كان يمكث ومكثا عنده ذلك اليوم» (يوحنا1: 35-40).
عَبَر أندراوس في اختباره بخمس مراحل:
أولاً: انجذاب. تبع يسوع بمجرد أن سمع الشهادة عنه من فم المعمدان. إن في المسيح قوة جذب للنفس لا مثيل لها.
ثانيًا: اشتياق. «ربي... أين تمكث؟» فهو لم يتبع يسوع فقط لكنه امتلأ بالأشواق لمعرفته عن قرب وبشكل فردي.
ثالثًا: ارتباط. أتى هو وزميله ونظرا أين كان يمكث يسوع ومكثا عنده ذلك اليوم، من الرابعة عصرًا (العاشرة بحسب التوقيت اليهودي) حتى نهاية اليوم، وكانت جلسة شائقة تركت انطباعاتها العميقة فيه.
رابعًا: إخبار. «هذا وجد أولاً أخاه سمعان». خرج من جلسته مع يسوع قلبه ملتهب وذهنه مستنير وعلى لسانه شهادة لا يمكن أن يسكت عنها فهتف وبكل يقين: «قد وجدنا مسيا» (هذا الذي كنا متشوقين إليه ونبحث عنه وننتظر حضوره. ها هو قد أتى، فأسرع إليه يا أخي!).
خامسًا: إحضار. «فجاء به (سمعان بطرس) إلى يسوع» هذا كل ما عمله، والرب يسوع - له المجد - تولى المهمة كلها بعد ذلك.
تُرى، صديقي القارئ، هل عبرت بهذه المراحل الخمسة أم ما زلت خارجها تمامًا؟ أم عبرت ببعضها ولم تستكملها؟
أندراوس هو التلميذ الذي عرف قيمة الخدمة الفردية
لم يكن يصطاد بالشبكة كبطرس لكنه كان يصطاد بالشص (الصنارة) إذ كان يقدِّر قيمة الأفراد. فقد:
أتى بأخيه بطرس للمسيح (يوحنا1: 41، 42): لقد بدأ ببيته، بالدائرة الأقرب إليه، قبل أن يذهب بعيدًا. والذي دفعه للإتيان بأخيه:
1. محبته الشديدة لأخيه؛ وأي دافع أهم من ذلك؟ فالبرهان الأقوى لحبي لأخي يكمن في الجهد الذي أبذله حتى يأتي إلى يسوع المسيح. كم يؤلم أن ترى كثيرين رغم حبهم العميق لإخوتهم قد يفعلون كل شيء لإخوتهم إلا ربطهم بالمسيح!
2. إشفاقه على بطرس: لأنه بعيد عن المسيح هو في تعب شديد. أخي، كيف ترى أخاك يتخبط في بُعده عن المسيح ويعاني الأَمَرَّيْن وتنتظره أبدية تعيسة وتبقى صامتًا؟!
إذًا ماذا فعلت بأخيك؟! ماذا تقول؟ هل تقول: «أحارس أنا لأخي؟» (تكوين4: 9)، أم جئت به إلى يسوع؟
أتى بالغلام الصغير الذي معه الأرغفة والسمكتين إلى يسوع (يوحنا6: 9): لم يهتم بالكبير فقط بل بالصغير أيضًا. لم يحتقر صغر سنه ولم يحتقر قلة ما معه، بل أتى به وبها إلى المسيح. عندما يوضع الصغير في يدي المسيح يصبح كبيرًا جدًّا، ولما يوضع القليل بين يديه يصبح كثيرًا جدًّا وتعم البركة للآلاف.
هل تثقلنا بخدمة الصغار وبالإيمان رأينا فيهم رجال الغد وخدام الغد؟
تعرَّض أحد الخدام لانتقاد شديد من الكنيسة التي يخدم فيها لسبب فشله في ربح أشخاص جدد لشهور طويلة، فأجابهم: “لكننا ربحنا صبيًا صغيرًا وقد اعترف بالمسيح مُخَلِّصًا”. فأجابه بعضهم بتهكم: “هل تعتبر مثل هذا الولد ربحًا!”. وفي أحد الأيام كان في الكنيسة جمع للعمل المُرسَلي وطلب هذا الصبي من جامعي التقدمات أن يضعوا الصندوق على الأرض فقفز إليه الولد وهو يقول: “إني أعطي حياتي كلها للعمل المُرسَلي!”. وكان هذا الغلام هو الرجل العظيم الذي عُرِف فيما بعد باسم روبرت موفات؛ المُرسَل الكبير إلى القارة الأفريقية.
أتى باليونانيين إلى يسوع (يوحنا12: 20-22): كان اليونانيون قد صعدوا لأورشليم في العيد وتقدموا إلى فيلبس وسألوه عن مقابلة يسوع. كانوا على الأرجح من الأمم وأرادوا لقاءه. فأتى فيلبس وقال لأندراوس ثم قال أندراوس وفيلبس ليسوع.
يلفت نظرنا إن فيلبس أتى بهم إلى أندراوس الذي بدوره عرَّفهم بالمسيح. والسؤال: لِمَ لَمْ يذهب بهم فيلبس مباشرة إلى المسيح؟ لماذا المرور بأندراوس؟ ربما كان خجولاً أو أنه لم يكن واثقًا من رغبة يسوع في رؤية هؤلاء الناس، إلا إنه كان واثقًا من أن أندراوس سوف يقوم بالمهمة على أكمل وجه. أما أندراوس فلم يكن يرتبك متى سأله أحدهم التعرف بالمسيح، بل كان يجيء به إليه. لقد كان على ثقة أن يسوع لا يرفض أحدًا.
أعزائي، يقول خدام الرب الذين لهم خبرة طويلة في الخدمة إن التبشير بالإنجيل يأتي بثماره الأهم متى تم على المستوى الفردي أو الشخصي. فمعظم الناس لا يُقبلون إلى المسيح على أثر عظة سمعوها وسط جموع كثيرة، بل يُقبلون إليه تحت تأثير فرد واحد. لا شك أن هناك من نالوا الخلاص على أثر عظة في فرصة كرازية أو عبر الفضائيات، لكن حتى في تلك الحالات يعود الفضل إلى شخص ما شجَّعهم على سماع العظة أو دعاهم للفرصة الكرازية. إذا الوسيلة الأكثر فعالية لإحضار الناس إلى المسيح تكمن في الاعتماد على فرد واحد وليس مجموعة.
أندراوس هو التلميذ الذي أحب الخدمة المختفية وقَبِل الدور العادي
أندراوس لم يهتم بموقفه بين التلاميذ. لم يكن كبطرس ولا كيعقوب ويوحنا؛ لكن هذا لم يشغله كثيرًا. كان همه الحقيقي هو أن يجيء بمزيد من الناس إلى يسوع. كان من القلائل الذين يقبلون المركز الثاني، ومركز المساعد للغير. إن حياته تُثبت لنا أن الأمور الصغيرة هي المهمة في الخدمة المسيحية: «لأنه من ازدرى بيوم الأمور الصغيرة» (زكريا4: 10).