* سمعتها من صديق يستفسر عن مكان يقصده، وجد ضالته وسمع ردًّا أبكمه: المكان الفلاني ها تلاقيه عند “الجنزورة” الواقفة فوق “الجازاجة” على “الجسر”!! فوقف مذهولاً من هول الوصفة واللغة معًا (استعان بصديق لترجمتها)، وشكره بذوق ومضى في طريقه قائلاً: شكرًا، تِعيش!
* سمعتها من طالب ثانوية ينتظر نتيجة التنسيق، يسمع أقاويل عن الحد الأدنى ويتعشم بالمجموع الأقصى. بعد محاولات يصله خطاب الترشيح بيد شخص مُريح، فيرمقه بنظرته ويشكره قائلاً: شكرًا لتعبك، تِعيش!
لطالما انتشرت في معاجم مجتمعنا الدعوات التي تتمنى الصحة والعافية للناس، وكان للدعوات التي تتمنى طول الحياة للإنسان نصيب وافر منها، فأخذت عدة أشكال؛ منها الرباعية (ربنا يطوِّل في عمرك)، أو الثلاثية (يِدِّيك طولة العمر)، أو الثنائية (ربنا يِخَلِّيك)، أو الأحادية (تِعيش)، وهنا سنكتفي بالأخيرة؛ كلمة “تعيش”.
“تِعيش” والمجال:
ما أكثر الكلمات التي تربط كلمة “تِعيش” بحرف العطف “واو”، فمخازن كلمات الإنسان تمتلئ منها منذ طفولته؛ فالطفل تعوَّد عندما يسقط وهو يتعلم المشي أن يسمع: “تِعيش وتقع”، وعندما يشتري ملابس جديدة “تِعيش وتدوِّب”، وعندما يفاجأ بما لا يريده يسمع: “ولا يهمك! تِعيش وتاخد غيرها”. وحين يصبح الطفل شابًا تتغير الكلمات المعطوفة عليها تبعًا لمراحله السنية؛ فعند رسوبه في الكلية يسمع: “تِعيش وتدَبْلَر”، وفي المناسبات “تِعيش وتجامل”، أو “تِعيش وتزور”، وهلم جرّا.
ورغم أنها كلمة رائعة؛ في معناها السطحي رغبة في إطالة عمر الإنسان، لكنها تُخفي معنًى خطيرًا، يتجسد حين يستخدمها الإنسان ليعطي لنفسه مجالاً متسعًا من الوقت، و“بَرَاحًا” لمزيد من المحاولات، على أساس أنها ليست نهاية الحياة أن تقع أو ترسب أو تشتري ملابس، فهي أمور تتكرر وستتكرر في الحياة طالما أنت “تعيش”.
ولكن هناك من الأمور الحساسة التي لا مجال فيها للمحاولات الخاطئة، فلا يمكن أن تقول لصيدلي: “تِعيش” وتصرف دواء خاطئًا! أو لمهندس: “تِعيش” وتبني أساسًا هشًّا! فهنا المجال لا يتسع للأخطاء أو المحاولات الأخرى، لأنها قد تكون الأخيرة، وقد تُفقَد حياة الكثيرين.
ويحدِّثنا الكتاب المقدس عن كثيرين ظنوا أن المجال يتسع لمزيد من الوقت والمحاولات للتوبة والرجوع عن الخطية، ولكن للأسف خاب ظنهم. انظر إلى فرعون الذي خدعه مستشاروه قائلين: “تِعيش وتتقَسَّى على الرب”، فسمع الرد من موسى: «نِعِمَّا قلت. أنا لا أعود أرى وجهك أيضًا» (خروج10: 29). وانظر إلى شاول الذي قال لنفسه: “تِعيش وتعصى صوت الرب”، فسمع الرد من صموئيل: «هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة... لأنك رفضتَ الرب رفضك من المُلك... ولم يعُد صموئيل لرؤية شاول إلى يوم موته» (1صموئيل15: 22، 23، 35). وانظر إلى الغني الذي خدع نفسه قائلاً: “تِعيش وتكنز بدون الرب”، فكان الجواب من الرب شخصيًّا: «يا غبي، هذه الليلة تُطلَب نفسك منك» (لوقا12: 20).
عزيزي القارئ، أخشى أن تكون مثل هؤلاء الذين ظنوا أن المجال أمامهم والوقت في صالحهم ليستمروا في طريقهم الشرير، ولكنهم جهلوا تمامًا أن المواقيت والأزمان في يد القدير لأنه «يُميت ويُحيي» (1صموئيل2: 6)، وهو وحده الذي يضع حدًّا لكل شيء! فما أدراك أن هذه المرة لن تكون الأخيرة؟!
“تِعيش” والغرض:
هل تعلم، عزيزي القارئ المُخلِص، أننا فيما نُغرِق يومنا بدعوات الحياة والصحة وتمني “العيش” لبعضنا، أننا قانونيًّا لا يمكن أن نتمتع بها، فالواقع أننا - بدون الله - جميعًا أموات! نعم، أموات لأننا ببساطة تعدّينا و«أجرة الخطية هي موت» (رومية6: 23)، وأصبحنا فعليًّا «أموات بالخطايا» (أفسس2: 5)، وبالتالي فلا قيمة لأية دعوات أو تشكرات من “الأموات” لبعضهم حتى لو كان عنوانها الكلمة البرَّاقة “تِعيش”!
وهنا أوجد الله المُحِب وسيلة لإعادة الحياة للمائتين، لأن «الله محبة، وبهذا أُظهِرَت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به» (1يوحنا4: 8، 9)؛ فابنه الوحيد، الذي «فيه كانت الحياة» (يوحنا1: 4)، هو الوسيلة الوحيدة، وأصبح بإمكان كل من مات بسبب الخطية أن يحيا به.
ولأنه هو الوسيلة، فلا يستحق أن يكون غيره الغرض الذي يستحق أن نعيش لأجله، «لأن ليس أحد منا يعيش لذاته ولا أحد يموت لذاته، لأننا إن عِشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت... فللرب نحن» (رومية14: 7). وهذا حق طبيعي له بسببين؛ الأول لأنه خلق الإنسان للذَّته (أمثال8: 31)، والثاني لأنه اشترى الإنسان بدمه: «فهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام» (2كورنثوس5: 15). وبهذا يكون المسيح هو الوسيلة وهو الغرض الذي نختبر به كلمة “تِعيش”.
“تِعيش” والدلع:
اسمح لي عزيزي القارئ، أن أضم نفسي إليك في هذه النقطة، واسمح لي أنها لن تكون كسابق الفقرات، فأنا أعرف أن الكلام السابق ليس فيه جديد عليَّ أو عليك، وأن الاجتماعات والمؤتمرات والكتابات اكتظت به، فجميعنا نعلم أننا لسنا لأنفسنا وأننا فقط مِلك لسيدنا، وأنه لا يحق لنا أن نتحكم في طريقة أو مكان أو اسلوب “عيشنا” له، ولكن لا تغيير يحدث، هل تعلم لماذا لأننا مضروبين بداء “الدلع”!
فما زلنا نعتقد أن المجال والوقت يتسعان، وأنه إذا لم نعش اليوم فسنعيش غدًا للرب، والحقيقة أن هذا لا يحدث.
عزيزي القارئ، “تِعيش” وتجيب المجلة، “تِعيش” وتقرأ، “تعيش” و“تتبسط” من القصص، “تِعيش” وتقلب الصفحات والأعداد وأنت مستمتع بالإعداد الفني المُبهر! لكن دعني أسألك وأسأل نفسي: متى “سنعيش” له؟! ومتى سنترك حياة “الدلع” الروحي بلا رجعة؟! وأخاف أن نصحو من غفوتنا متأخرًا، فنجد حياتنا تبخَّرت في أحلام وأوهام أرضية، ونشاطات وخدمات هي في الحقيقة للناس، دون أن نختبر حياة الاجتهاد والجُندية الحقيقية التي يجب أن نحياها، والتي بدونها نحن أموات ولو صرخ فينا العالم كله قائلين: “تِعيش”.
كترت محاولاتي وأخطائي
وستارها كلمة “تِعيش”
وأتاريني باهرب بيها منك
ورا حجج ما بتنتهيش
خلاص جه الوقت اللي أعيش لسيدي بجد
ما فيش مجال إن الدلع يفضل يتمد
أو أكون لغيره ويشاركه فيَّ حد
ده هو الوسيلة والغرض وغيره ما يساويش
ولو عشت بغيره أو لغيره،
مهما كبرت هأصبح ما فيش