(1) بنيامين يولد بالقرب من بيت لحم
رحل يعقوب مع العائلة من بيت إيل متجهًا إلى أفراتة التي هي بيت لحم، وفي الطريق ولدت راحيل وتعسَّرت ولادتها (تكوين35: 16‑18)، فكان مجيء الطفل بنيامين في ظروف صعبة؛ حيث كانت العائلة مسافرة ولم يكن المكان مناسبًا للولادة، صورة لما حدث في ولادة ربنا يسوع المسيح حيث تحرك يوسف النجار مع المطوبة مريم من مدينة الناصرة التابعة للجليل (في الشمال) إلى بيت لحم التابعة لليهودية (في الجنوب) حيث تمت أيامها لتلد. فولدت ابنها البكر وقمّطته وأضجعته في المذود، إذ لم يكن لهما موضع في المنزل (لوقا2: 1‑7).
والشيء العجيب أن أول مرة جاء ذكر بيت لحم جاء بالارتباط بولادة بنيامين، وهي نفس المدينة التي وُلد فيه المسيح.
وبعد ولادة بنيامين ماتت راحيل، وعند ولادة ربنا يسوع قتل هيرودس جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها من ابن سنتين فما دون وتم القول: «راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى» (متى2: 16‑18).
(2) بنيامين له أكثر من اسم
دعت راحيل اسم ابنها «ابن أوني» وأما أبوه فدعاه «بنيامين»؛ فكان لهذا الطفل أكثر من اسم. صورة للرب يسوع الذي كان له أسماء كثيرة وكل اسم له معنى، فيسوع معناه “يهوه يُخلِّص”، وعمانوئيل تفسيره “الله معنا”، و«كلمة الله» أي “المعبِّر عن الله”.
و«ابن أوني»؛ أي ابن حزني صورة للرب يسوع رجل الأوجاع ومُختَبِر الحَزَن (إشعياء53: 3)، وعندما كان هنا على الأرض شفى المرضى وتم القول المبارك: «أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها» (إشعياء53: 4). وكان الحزن العظيم قبل ذهابه إلى الصليب، وفي بستان جثسيماني كان يحزن ويكتئب وقال لتلاميذه: «نفسي حزينة جدًّا حتى الموت» (متى26: 38). ومستقبلاً سينوح عليه إسرائيل كنائح على وحيد له (زكريا12: 10).
أما «بنيامين»؛ أي ابن يدي اليمين صورة للرب يسوع الجالس الآن في يمين العظمة في الأعالي في مكان الرفعة والسمو والعظمة والمجد (عبرانيين1: 3، 4).
والاسمان معًا يدلان على أن آلام المسيح وأمجاده لا ينفصلان (لوقا24: 26، 46).
(3) بنيامين محبوب من قلب أبيه
كان يعقوب شيخًا عندما ولد بنيامين، وكان يحبه لأنه ابن شيخوخته وأيضًا لأنه ابن راحيل المحبوبة (تكوين44: 20)، وكان يهتم به ويخاف عليه (تكوين42: 4)؛ صورة للرب يسوع محبوب قلب الآب، فهو الابن الوحيد الكائن في حضن أبيه (يوحنا1: 18)، والحضن هو مكان المحبة والتمتع بها.
على مسمع الناس، في مشهد معمودية المسيح، يعلن الآب على محبته لابنه قائلاً له: «أنت ابني الحبيب الذي به سررت» (مرقس1: 11). وعلى مسمع من التلاميذ يعلن الابن محبة الآب له بالقول: «لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم» (يوحنا17: 24).
(4) بنيامين يكُرَم على إخوته
عندما ذهب بنيامين إلى مصر مع إخوته ورآه يوسف قال له: «الله يُنعم عليك يا ابني»، وفي وقت الطعام رفع يوسف حصصًا من قدامه إلى إخوته فكانت حصة بنيامين أكثر من حصص جميعهم خمسة أضعاف (تكوين43: 34). وفي هذا إعلان عن محبته له واهتمامه به وتميُّزه عن بقية إخوته، صورة للرب يسوع الذي كان متميّزًا عن كل البشر، فعند ولادته ظهر ملاك الرب للرعاة وبشّرهم بولادته، ثم ظهر مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبّحين الله وقائلين: «المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة» (لوقا2: 8-14).
ثم مجيء المجوس من المشرق بعد أن رأوا نجمه، وكان النجم يتقدّمهم في بيت لحم حتى جاء ووقف فوق حيث كان الصبي، فخَرُّوا وسجدوا له ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهبًا ولبانًا ومرًا (متى2). وقبل ذهابه إلى الصليب أخذت مريم أخت لعازر مَنًا من طيب ناردين خالص كثير الثمن، وسكبته على رأسه وعلى قدميه ومسحت قدميه بشعر رأسها (متى26: 7؛ يوحنا12: 3).
(5) بنيامين يُتَّهَم وهو بريء
عند رجوع بنيامين مع إخوته إلى أبيهم وهم يحملون القمح، أدركهم الرجل الذي على بيت يوسف مُتَّهِمًا إياهم بأنهم أخذوا طاس الفضة الذي يشرب فيه يوسف، ولقد وُجد الطاس في عِدل بنيامين. لقد كان بنيامين بريئًا من تُهمة السرقة، صورة للتُّهَم التي تعرض لها الرب يسوع أثناء حياته. وكم تألم منها كثيرًا لأنه القدوس البار الذي بلا خطية! (اقرأ متى26: 61؛ مرقس3: 21، 22، 30؛ لوقا23: 2، 5؛ يوحنا18: 30؛ 19: 7).
(6) بنيامين يبكي على عنق يوسف
كان لقاءً مؤثرًا بين يوسف وإخوته، فيقع يوسف على عنق بنيامين أولاً ويبكي الاثنان معًا (تكوين45: 14، 15). إنها دموع المحبة وأفراح اللقاء بعد فراق طويل. وعندما ذهب الرب لبيت عنيا بعد موت لعازر، جاءت مريم وخَرَّت عند رجليه باكية، ولما رآها يسوع تبكي واليهود الذين جاءوا معها يبكون، فإنه - تبارك اسمه - بَكَى (يوحنا11: 32‑36)، دموع تعلن عن المحبة المتبادلة بين الرب يسوع ومريم ومرثا ولعازر وأنه يشعر بالآلام وأوجاعهم ويتألم معهم.
(7) بنيامين المحارب والمنتصر
في نبوة يعقوب التي قالها لأولاده قبل موته، قال عن بنيامين إنه: «ذئب يفترس. في الصباح يأكل غنيمة وعند المساء يُقسم نهبًا» (تكوين49: 27). والذئب من الحيوانات المفترسة، ويتصف بالجرأة والإقدام وروحه القتالية والسرعة التي يُباغِت بها فريسته. وبنيامين كذئب يفترس صورة للمسيح المحارب والمنتصر، فهو ليس فقط المُحِب والوديع، لكنه الديَّان، والذي لا بُد أن ينتقم من أعدائه ويسحقهم. وهذا سيتم عندما يظهر بالمجد والقوة جالسًا على الفرس الأبيض وبالعدل يحكـم ويحارب (رؤيا19: 11). وهو العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته (2تيموثاوس4: 1).
أخي، أختي، إننا ننتظر الرب يسوع لاختطاف المؤمنين وهي لحظة سعيدة لكل مؤمن حقيقي، لكننا أيضًا نحب ظهوره بالمجد والقوة لكي يقضي على جميع أعدائه ويسحقهم، وفي هذا رد لاعتبارات مجده بعد أن أُهين في هذه الأرض، وأيضًا تحقيق لقول الآب له: «اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك» (مزمور110: 1).