خصائص الذهن بعد الإيمان
في الأعداد السابقة رأينا الذهن، وما هو، وما دوره في حياة الإنسان. ورأينا ماذا فعلت الخطية في ذهن الإنسان، وما هي خصائص الذهن الطبيعي الذي أفسدته الخطية، وما الذي يتحكم فيه. كما رأينا مسؤولية الإنسان عن استخدام هذه العطية الإلهية الرائعة.
في هذا العدد نرى ذهن المؤمن الذي وُلد من الله وقد تغيّر، وأصبح ينظر للأمور ويفكِّر فيها ويقيِّمها بطريقة مختلفة، ومتناسبة مع رغبات الطبيعة الجديدة. فما كان يجتذبه في القديم أصبح ليس ذا تأثير عليه حاليًا، وفي المقابل أصبحت هناك أمور جديدة تشغله لم تكن تهمه قبلاً. لقد أصبح لهذا الذهن خصائص تختلف تمامًا عن خصائصه قبل الإيمان.
- ذهن مستبصر:
الإيمان يفتح الذهن «حينئذ فتح (الرب) ذهنهم ليفهموا الكتب» (لو24: 45)، فيمكنه أن يُقيِّم أمورًا كانت عديمة القيمة قبل الإيمان، لأنه يراها الآن بطريقة مختلفة. لقد أصبح الذهن يعرف قيمة أمور الله ويُسَرّ بالتفكير فيها. يعرف قيمة المسيح، ويعرف ما يستحقه من الحياة. لقد فُتح الذهن لِما كان مغلقًا له، فتم القول المكتوب «أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح» (2كورنثوس4: 6)؛ هذا بالمقابلة مع حالة العمى التي كانت قبل الإيمان.
- ذهن تُنهضه وتستحثه كلمة الله:
لقد أصبح الذهن - بعد الإيمان - يتجاوب مع كلمة الله ويفهمها عندما يقرأها. لم يعد يتثاءب ويدخل في نعاس عندما يفتحها، كما كان قبلاً، بل بالعكس: كلمة الله هي التي توقظه من نعاس. يُسَرُّ بأن يفكِّر فيها، ويدخل في بحورها الواسعة جدًا «هذه... رسالة ثانية... فيهما انهض بالتذكرة ذهنكم» (2بطرس3: 1).
- ذهن نقي:
يقول بطرس عن ذهن المؤمنين «ذهنكم النقي» (2بطرس3: 1).
فالذهن الذي يتخصَّص لكلمة الله عندما تستحثه، لا تلوّثه رغبات القلب البشري، يعرض عنها ولا يريد أن يتنجس بها، فهو مأخوذ ناحية كلمة الله.
- ذهن ممنطق:
لقد أصبح محكومًا ومنضبطًا، غير متروك لرياح الأفكار تحمله يمينًا أم يسارًا، تتم فيه الوصية «منطقوا أحقاء ذهنكم» (1بطرس1:13). والذي يحكم هذا الذهن، ويضبطه، ويحيطه، هو كلمة الله وماذا تقول.
- ذهن صاحٍ:
يكمل بطرس في سياق الكلام عن الذهن قائلاً «صاحين» (1بطرس1:13). فالطابع المميِّز له الآن ليس السلبية، أو الخمول والبلادة وعدم الاستخدام، أو الاستسلام للأفكار من أي اتجاه؛ لكنه في حالة من اليقظة والوعي المستمر لكل ما يمرّ به.
- ذهن تجدد ويتجدد:
إن محتويات الذهن قد تجددت، وطريقة آداءه أيضًا أصبحت جديدة «ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة» (كولوسي3: 10). كما أنه بعد أن تجدد أصبح لا يحوي فقط مجموعة من الأفكار الساكنة المتكرِّرة التي يستخدمها بطريقة مُمِلّة، لكنه دخل إلى بحر المعرفة الإلهية التي تمدّه دائمًا بالجديد، الذي به تتغيّر حياة الشخص «تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم» (رومية12: 2).
* * * *
والذهن عندما يستخدمه الروح القدس ويعمل بهذه الخصائص الجميلة، سيقود المؤمن ناحية النضوج الروحي. بينما إذا استسلم وتقاعس عن التدريب في كلمة الله لن تظهر هذه الخصائص، وسيظل المؤمن في حالة الطفولة الروحية. لذلك هناك تفكير الأطفال، وهناك تفكير البالغين. «لما كنت طفلاً كطفل كنت أتكلم، وكطفل كنت أفطن وكطفل كنت أفتكر. ولكن لمَّا صرت رجلاً أبطلت ما للطفل» (1كورنثوس13:11).
وإذا استخدم الروح القدس الذهن بهذه الخصائص الجميلة، سيكون تفكير المؤمن تفكيرًا روحيًا، بينما بدون ذلك سيكون الفكر جسديًا.لكن مع تواجد هذه الخصائص في كل المؤمنين، لكن تفكير كل منهم مختلف عن الآخر. لماذا؟ لأن هناك منهج تفكير يسيطر أحيانًا كثيرة على المؤمن، ما هو منهج التفكير، وما هي أنواعه؟ هذا ميعادنا بمشيئة الرب في لقاء قادم.