نعرف جميعًا أن الشيطان يقاوم المؤمنين، ويشن حربه عليهم في كل وقت، ولا يريد للمؤمن أن يرفع رأسه، أو يستمتع بحياته. إنه عدو الخير؛ لذلك فهو يقاوم كل خير في حياتنا. هو كذاب، وشرير، وعدو حتى وإن جاء في ثوب الصديق، أو في عباءة الحبيب. فسرعان ما يكشف عن وجهه القبيح، مهاجمًا ومقاومًا لكل ما فيه سعادة وراحة لنا.
لكن إن فكَّرنا في أكثر الأمور التي يُقاومها الشيطان في حياتنا؛ فربما نتفق على أن الصلاة هي الأكثر على الإطلاق في القائمة التي يضعها أمامه ذلك العدو البغيض. فمن منا لم يشعر بالمقاومة العنيفة التي يشنها الشيطان بمجرد ما نغمض عيوننا ونشرع في الصلاة؟ من منا لم تحدث معه أمور غريبة بمجرد ما يدخل المخدع ويغلق بابه متخذًا قراره بالصلاة؟ فجأة تأتيك اتصالات متتالية، ويرن جرس الباب، وينادي عليك أحد إخوتك، وربما تحدث مشكلة ما مع أحد أفراد البيت. هذا غير الفكر المُشتَّت في بداية الصلاة، والأفكار الشريرة التي تملأ ذهنك، والمواقف السلبية التي تعرَّضت له يومًا، تجدها حاضرة بقوة في ذهنك في تلك اللحظة. فتجد نفسك مضطربًا، متلعثمًا في صلاتك، تعاني فتورًا في صلاتك بعد ما كنت مقبلاً عليها بفرح وترقب!
لكن دعنا نرى المقاومة من منظور آخر؛ فإن كان الشيطان يُقاوم الصلاة بهذا العنف، وهذه الشراسة؛ ألا يعني هذا خطورة الأمر بالنسبة له؟ ألا يعني هذا معرفته بأهمية الصلاة لحياتك، وبالتالي فهو يريد أن يمنعك منها بأية طريقة؟ فإن كان الشيطان هو عدو الخير، فمقاومته للصلاة معناها أن الصلاة تجلب لك كل الخير. وإن كان الشيطان هو الشرير، فمقاومته لصلاتك معناها أن الصلاة تُقدِّس حياتك، وتجلب لك البركات. وإن كان الشيطان هو العدو، فمقاومته للصلاة معناها أن الصلاة تجعل الله في صفك، وتهبك نصرة ساحقة على العدو. إن كان الشيطان هو المقاوم، وهو يقاوم الصلاة؛ فهذا معناه أن الصلاة تجعل الله يعضدك، ويسندك «أَنَا اضْطَجَعْتُ وَنِمْتُ. اسْتَيْقَظْتُ لأَنَّ الرَّبَّ يَعْضُدُنِي» (مزمور٣: ٥). «لِيَسْتَجِبْ لَكَ الرَّبُّ فِي يَوْمِ الضِّيقِ. لِيَرْفَعْكَ اسْمُ إِلهِ يَعْقُوبَ. يُرْسِلْ لَكَ عَوْنًا مِنْ قُدْسِهِ، وَمِنْ صِهْيَوْنَ لِيَعْضُدْكَ» (مزمور٢٠: ١، ٢).
الصلاة مفتاح للكثير والكثير من الأمور التي تشتهيها لحياتك الروحية. الصلاة تُقرِّبك من الله، وتبعدك عن حدود العدو. الصلاة تملأك بالقوة وتُشدِّد سواعدك. الصلاة تفتح ذهنك لتفهم أمور الله التي تبدو لك غامضة، ومُحيرة. في الصلاة تختبر ما اختبره داود فهتف قائلاً: «طَلَبْتُ إِلَى الرَّبِّ فَاسْتَجَابَ لِي، وَمِنْ كُلِّ مَخَاوِفِي أَنْقَذَنِي. نَظَرُوا إِلَيْهِ وَاسْتَنَارُوا، وَوُجُوهُهُمْ لَمْ تَخْجَلْ. هذَا الْمِسْكِينُ صَرَخَ، وَالرَّبُّ اسْتَمَعَهُ، وَمِنْ كُلِّ ضِيقَاتِهِ خَلَّصَهُ. مَلاَكُ الرَّبِّ حَالٌّ حَوْلَ خَائِفِيهِ، وَيُنَجِّيهِمْ» (مزمور٣٤: ٤–٧).
أسمعك الآن تردِّد في قلبك وأنت تقرأ هذه الكلمات: كيف اختبر هذه القوة؟ وكيف اتمتع بحياة الصلاة بشكل يضمن لي الاستمرارية؟
أقول لك إن المسيحية بكل ما فيها هي عبارة عن اختبار، وليست أفكار أو شعارات أو أطروحات وفلسفات. ولكي تختبر حياة الصلاة فعليك أن تُصلي. رائع أن تقرأ عن الصلاة، وأروع أن تحضر مؤتمرًا للصلاة. لكن كل هذا لا يضمن لك أن تكون يومًا إنسانًا مُصلّيًا. لكن يمكن لإنسان لم يقرأ كتابًا عن الصلاة، ولم يحضر مؤتمرًا للصلاة أن يُصبح إنسانًا مُصليًا.
نعم قارئي العزيز فهذا ليس منطقًا جديدًا، أو فكرًا متُطرفًا، إنما هذا ما حدث بالضبط مع شاول الطرسوسي الذي أصبح فيما بعد بولس الرسول. فبعد أن كان شاول الطرسوسي مجدفًا، ومضطهدًا، ومفتريًا، وبعد أن كان يسوق المؤمنين ويقدِّمهم للموت، وبعد أن كان يومًا شاهدًا وراضيًا بقتل استفانوس – أول شهيد في المسيحية – ظهر له الرب كما نعرف جميعًا، وافتقدته نعمة الله، فتحوَّل إلى إنسان آخر. ودون أن يلتقي بأي مؤمن، أو يقرأ كتابًا عن الصلاة، قال عنه الرب لحنانيا إنه يُصلي «فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى الزُّقَاقِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُسْتَقِيمُ، وَاطْلُبْ فِي بَيْتِ يَهُوذَا رَجُلاً طَرْسُوسِيًّا اسْمُهُ شَاوُلُ. لأَنَّهُ هُوَذَا يُصَلِّي» (أعمال٩: ١١). من علَّم بولس الصلاة؟ لقد تعلّمها بالصلاة. تمامًا مثل صرخة الطفل المولود فور خروجه للحياة. من الذي علم هذا الطفل المولود أن يصرخ؟ فهو لم يصرخ من قبل! ولم يرَ أحدًا يصرخ حتى يفعل مثله.
قارئي العزيز، لن أطيل في الحديث معك عن الأمر؛ لأنني أشعر أن كلينا يحتاج لقضاء الوقت الأكبر في الصلاة، وليس القراءة عن الصلاة. فقبل أن تستكمل قراءتك، أرجو أن تُغمض عينيك وتبدأ الآن رحلة جديدة، وطريقًا مختلفًا في حياة الصلاة. دع الله يُعلِّمك، ويُرشدك، ويقودك لكي تختبر معه أعظم وأروع اختبار يمكن لإنسان أن يختبره وهو حياة الصلاة، والمكوث في حضرة الله أوقاتًا طويلة.
أتركك مع كلمات الرب يسوع المسيح عن الصلاة: «وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ» (متى٦: ٦–٨).