تحدّثنا في الأعداد السابقة عن كفاية الرب يسوع المسيح لكل احتياج لأي إنسان. فإن كنت بعيدًا عن الله هو الوسيط الوحيد الذي حمل خطاياك على الصليب ليصالحك مع الله. وإن كنت مؤمنًا ولكن تشعر بسقوطك في الخطية وانقطاع شركتك مع الرب، فيسوع المسيح البار لنا كشفيع عند الآب ضامنًا لمركزنا ومقامنا، وهذا يقودنا للتوبة ولرد نفوسنا. ولأننا صديقي القارئ نعبر برية مليئة بالتجارب؛ فلنا رئيس كهنة عظيم يرثي ويعين ويخلِّص إلى التمام. هذا ما تأملنا فيه في الأعداد السابقة. وفي هذا العدد نأتي إلى وظيفة أخرى أو عمل آخر يقوم به الرب يسوع لأجلنا.
الراعي
لقب للرب يسوع نرى فيه كمال عمله الذي يغطي الماضي والحاضر والمستقبل.
فعن الماضي: هو الراعي الصالح الذي بذل نفسه عن الخراف (يوحنا١٠: ١١).
وعن الحاضر: هو راعي الخراف العظيم (عبرانيين١٣: ٢٠).
وعن المستقبل: هو رئيس الرعاة (١بطرس٥: ٤).
لقب أم قلب؟
ما أكثر من يحملون لقب الراعي، لكن ليس لهم قلب الراعي!! فقبل مجيء الرب بالجسد كان بين الشعب رعاة كثيرين، اقرأ ماذا كانوا يفعلون «وَيْلٌ لِرُعَاةِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا يَرْعَوْنَ أَنْفُسَهُمْ. أَلاَ يَرْعَى الرُّعَاةُ الْغَنَمَ؟ تَأْكُلُونَ الشَّحْمَ، وَتَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَتَذْبَحُونَ السَّمِينَ، وَلاَ تَرْعَوْنَ الْغَنَمَ. الْمَرِيضُ لَمْ تُقَوُّوهُ، وَالْمَجْرُوحُ لَمْ تَعْصِبُوهُ، وَالْمَكْسُورُ لَمْ تَجْبُرُوهُ، وَالْمَطْرُودُ لَمْ تَسْتَرِدُّوهُ، وَالضَّالُّ لَمْ تَطْلُبُوهُ، بَلْ بِشِدَّةٍ وَبِعُنْفٍ تَسَلَّطْتُمْ عَلَيْهِمْ... وَرَعَى الرُّعَاةُ أَنْفُسَهُمْ وَلَمْ يَرْعَوْا غَنَمِي» (اقرأ حزقيال٣٤). وفي العهد الجديد اقرأ ما قاله الرسول بولس للرعاة «اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا (وليس عليها) أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ. لأَنِّي أَعْلَمُ هذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذِهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ. وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ» (أعمال٢٠: ٢٨–٣٠).
قصدت أن أضع أمامك عزيزي القارئ عينة من الآخرين ووصف الكتاب – لا نحن – لهم، حتى تلتفت سريعًا إلى الصالح والعظيم والرئيس، ربنا يسوع المسيح، الذي جاء لا ليحمل لقب، بل “قلب” الراعي.
موقف الراعي وموقف الخراف
١– حسبنا نحن الأمم أننا من خرافه، وأتى لأجلنا، ثم أتى بنا إليه، وجمع الخراف المشتَّتة والمنقسمة لتصير رعية واحدة لراعٍ واحد. فعل هذا بموته كالراعي الصالح (يوحنا١٠: ١١–١٦). والذي مات عن الخراف كالراعي الصالح، بالتأكيد هو يحيا لأجلها كراعي الخراف العظيم.
٢– يعرف خرافه في زمن يصعب فيه التمييز بين المؤمن وغير المؤمن، ولكن راعي الخراف العظيم يعرف الخراف من الذئاب التي تأتي في ثياب حملان. «يَعْلَمُ الرَّبُّ الَّذِينَ هُمْ لَهُ» (٢تيموثاوس٢: ١٩).
٣– يحصيها ويعرف عددها، ولن يهلك أحد منها، ليس أعداد المؤمنين فقط، بل حتى شعور رؤوسنا محصاة عنده!
٤– يدعوها بأسماء، كما قال مرة ليعقوب «دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي» (إشعياء٤٣: ١).
٥– يذهب أمامها ليقودها ويلتمس لها الطريق ويواجه الأخطار قبلها ويمهد لها الصعاب.
٦– يسدِّد احتياجاتها الروحية والزمنية، فالجميع يقول مع داود «الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ» (مزمور٢٣: ١)، إذ يرعى ويربض في المراعي ويورد لمياه الراحة.
هذا بعض من الكثير الذي يعمله معنا ولأجلنا راعينا العظيم. ولكن ما هو موقفنا جميعًا منه? هو قال عن نفسه: «أنا الراعي»، فهل نقول نحن عنه "راعيّ"؟ تَخّيل معي قطيع من الغنم بدون راعٍ، كيف سيكونون محتاجين، وخائفين، ومهدَّدين، وتائهين.
فإن كنا قد قبلناه كالراعي الصالح الذي مات عنا وخلَّصنا من خطايانا، هل نخضع له كراعينا الذي يقودنا في الطريق؟ فإن كان الرب مسؤولاً عن احتياجاتنا، فنحن مسؤولون عن إتِّباعه وطاعته.
والآن إليك بعض التحريضات:
١– الخراف تعرف راعيها: «وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي» ما أقصده لا أن تعرف عنه، بل تعرفه. فكثير من الناس تعرف عنه. بل حتى الشياطين قالت للرب مرة «أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ اللهِ!» (مرقس١: ٢٤)، لكن قطيع الرب يعرف صفاته وقلبه واهتمامه. ويعرف أيضًا قداسته وبره.
٢– تُميِّز صوته من صوت الغريب: وكثيرًا ما يقترن سماع صوت الرب في الكتاب المقدس بحفظ وصاياه وكلمته. وما أكثر البركات التي تعود على المؤمن السامع المطيع. وأكتفي بذكر آيتين فقط من العهدين القديم والجديد «إِنْ سَمِعْتَ سَمْعًا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، يَجْعَلُكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مُسْتَعْلِيًا عَلَى جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَتَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ الْبَرَكَاتِ وَتُدْرِكُكَ، إِذَا سَمِعْتَ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ» (تثنية٢٨: ١-٢). وفي حفظ الوصايا تعبير عن محبتنا للرب «اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي» (يوحنا١٤: ٢١).
٣– تتبعه: أحيانًا نظن أننا شيء ونثق في أنفسنا ونسير أمام الراعي بدون إرشاده. أو نتكاسل ونتأخر فنتباعد عنه. لكن علينا أن نتبعه عن قرب لنسير في آثار خطواته «تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ» (١بطرس٢: ٢١). واتِّباع الرب له كُلفة أشار إليها في قوله «وَقَالَ لِلْجَمِيعِ: إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي» (لوقا٩: ٢٣).
* * * *
عزيزي القارئ: هذا بعض من كل ما يقدمه لك ربنا يسوع المسيح، فهل تعرفت عليه كالمُصالح الذي قتل العداوة تمامًا بينك وبين الله والناس؟ وهل تجد فيه وحده التسديد الكامل والكافي لكل احتياجاتك في الحياة مهما تعدَّدت؟ ليتك تفعل ذلك مُقدِّرًا من مات وقام ويحي الآن لأجلك.