بسبب كثرة شر الإنسان وفساد الأرض وامتلائها ظلمًا؛ حزن الرب أنه عمل الإنسان، وقرَّر أن يمحو كل البشر على الأرض مع الحيوانات والطيور. لكنه - في نعمته - أمر نوحًا أن يبني فلكًا من خشب جفر لخلاص بيته. وأخبره بأبعاده وتفاصيله، ولقد أطاع نوح وفعل كل ما أمر به الله. واستغرق بناء الفلك 120 سنة، ولم يخلص أحد من كل البشر إلا نوح وعائلته فقط. ولم يكن الفلك سفينة بالمعنى المعروف، فلم تكن له جوانب مائلة ولا دفة ولا سارية ولا قلوع، بل كان أشبه ببرج ضخم يطفو فوق سطح الماء ويقاوم صدمات الأمواج، ولم يكن معرَّضًا للانقلاب.
والفلك يشير بصورة واضحة لربنا يسوع المسيح من عدة جوانب:
(1) الفلك هو وسيلة النجاة الوحيدة من الطوفان:
وهو في هذا صورة لربنا يسوع المسيح الوسيلة الوحيدة للنجاة من غضب الله ودينونته «وليس بأحد غيره الخلاص؛ لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطيَ بين الناس به ينبغي أن نخلص» (أعمال4: 12).
(2) الفلك مصنوع من الخشب:
والخشب يشير إلى ناسوت ربنا يسوع المسيح، فهو ابن الله الأزلي لكنه تجسد «والكلمة صار جسدًا» (يوحنا1: 14). والمسيح – له المجد – مشبه بأنه شجرة فمكتوب عنه: «نبت قدامه كفرخٍ وكعرقٍ (كجذر) من أرض يابسة» (إشعياء 53: 2). ولكي ينجو نوح من الموت، كان لا بد أن تُقطع الأشجار وتموت لكي يحصل على الخشب ويبني الفلك. وهذا مبدأ عام أن الحياة تنبع من الموت. ولكي ننجو نحن من الموت الأبدي، كان لا بد أن يموت المسيح «يُقطع المسيح» (دانيآل 9: 26). قُطِع من أرض الأحياء بموته على الصليب، لكي يمتلك كل من يؤمن به الحياة الأبدية. وإن كان الفلك مصنوعًا من خشب ومسامير؛ وهكذا فلك نجاتنا ربنا يسوع المسيح عُلِّق على خشبة الصليب ودُقَّت المسامير في يديه ورجليه.
(3) الفلك مطليٌ من الداخل ومن الخارج بالقار:
وذلك لمنع دخول المياه إليه، وهنا يمكن أن نرى إشارة لكفارة المسيح، وكلمة ”كفارة“ معناها “غطاء” أو “ستر”. ونجد هذا الأمر مرتين هنا، فأولاً: يطلب الله من نوح أن يصنع الفلك من خشب جفر وكلمة «جفر» معناها غطاء، ثانيًا: تطليه من داخل ومن خارج بالقار، ونتيجة لذلك سُتر نوح ومن معه من طوفان المياه ونجوا من الهلاك. كان لا بد أن تُغَطى الخطية من أمام وجـه الله وهـذا ما عملـه دم المسيح الذي سفك علـى الصليب «وهـو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضًا» (1يوحنا2: 2).
(4) الفلك له كوى (شباك) من فوق:
وذلك للتهوية والإضاءة ولكنه أيضًا له معنى روحي جميل وهي أن نوح وعائلته وهم في الفلك لا يتطلعون إلى أسفل حيث فساد الأرض، لكن أعينهم تتطلع إلى أعلى، إلى السماء، إلى الله الحي. ونحن مدعوون لننظر إلى أعلى ونسير بالإيمان إذ مكتوب: «إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض» (كولوسي 3: 1، 2).
(5) الفلك له باب واحد في جانبه:
لكي يدخل منه نوح وعائلته وينجوا من دينونة الطوفان. وهناك باب واحد فقط للنجاة من الموت الأبدي، هو الرب يسوع المسيح «أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص» (يوحنا 10: 9).
قال الله لنوح أن يضع باب الفلك في جانبه، وهذا يشير إلى جنب الرب يسوع الذي طُعن بالحربة ليعلن أن الطريق إلى قلب الله الآن صار مفتوحًا للمذنبين والخطاة. إن باب النعمة مازال حتى اليوم مفتوحًا، والرب يسوع يرحِّب. بك ولكن تذكَّر أنه بعد أن دخل نوح وعائلته الفلك، أغلق الرب عليه ولم يستطع أي شخص من خارج الفلك أن يدخل. وأعلن الرب يسوع في مثل العشر العذارى أنه بعد أن جاء العريس والمستعدات دخلن معه إلى العرس «أُغلق الباب» (متى 25).
(6) الفلك مكوَّن من ثلاثة مساكن (طوابق):
مساكن سفلية ومتوسطة وعلوية وهذا يشير إلى اختلاف درجات النمو والتقدم للمؤمنين الحقيقيين بالمسيح، جميعهم في المسيح مخلَّصون وفي أمان، لكن هناك ثلاثة مستويات في عائلة الله: أطفال وأحداث وآباء. وكذلك يشير إلى خلاص في الماضي والحاضر والمستقبل، خلاص من عقوبة الخطية ومن سيادة الخطية ومن جسد الخطية، خلاص للروح وللنفس وللجسد.
((7) نوعان من المياه صدمتا الفلك:
بعد أن دخل نوح وعائلته الفلك، أغلق الرب عليه وجاء الطوفان الذي يعلن عن غضب الله ودينونته؛ فانفجرت كل ينابيع الغمر العظيم (مياه من أسفل) وانفتحت طاقات السماء (مياه من أعلى)، وكان المطر على الأرض أربعين يومًا وأربعين ليلة. والفلك هنا يشير إلى ربنا يسوع المسيح الذي عندما عُلِّق على الصليب لأجلنا، تألّم نوعين من الآلام: آلام من البشر (من أسفل) في الثلاث الساعات الأولى، وآلام من الله (من أعلى) في الثلاث الساعات الثانية والمظلمة. في النوع الأول من الآلام كان يتألم من أجل البر؛ لأنه هو البار والبشر أشرار. لكن في النوع الثاني من الآلام كان يتألم من أجل الخطية؛ لأن الله الديان العادل وضع عليه إثم جميعنا. تألم تلك الآلام الكفارية الرهيبة حيث قال بروح النبوة: «غمر ينادي غمرًا عند صوت ميازيبك (قنواتك). كل تياراتك ولججك طمت عليَّ» (مزمور 42: 7).
أخي... أختي... بعد أن رأينا الفلك كصورة جميلة لربنا يسوع المسيح، فلك نجاتنا، الذي مات لأجلنا على الصليب واحتمل الدينونة الرهيبة نيابة عنا، دعني أسألك: هل دخلت إلى فلك النجاة؟ هل صرت في المسيح إنسانًا جديدًا؟ تذكر أن الذين لم يصدقوا كرازة نوح لهم ولم يدخلوا الفلك هلكوا هلاكًا زمنيًا وأبديًا، وهكذا كل من يرفض الإيمان بالرب يسوع المسيح المخلِّص، فحتمًا سيهلك! «الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله» (يوحنا 3: 36). فلا تؤجل! تعال إلى الرب يسوع المسيح الآن بالإيمان فتخلـص وتنجـو مـن الهلاك الأبدي.