بعد أن تكلّمنا عن البحار وما فيها من مخلوقات، وما لنا فيها من دروس كثيرة؛ دعونا نتوجه الآن إلى اليابسة ونتأمل حكمة الله في المخلوقات الصغيرة جداً الضعيفة والعجيبة في ذات الوقت، ألا وهي الحشرات.
يلفت نظرنا الكتاب إلى النمل في أمثال30 : 25 إذ يقول «النمل طائفة غير قوية، ولكنه يُعِّد طعامه في الصيف».
إن النمل من أكثر أنواع الحشرات ذكاءً ولديه قدرة كبيرة على التعلّم. وهو يعيش في مجتمعات كبيرة تصل إلى عشرات الآلاف، في انسجام كامل. وهي تبدأ بيضة، ثم تخرج يرقة، تتحول إلى شرنقة، ثم نملة صغيرة. وهي أنواع كثيرة، يعيش كل نوع في عش مستقل، قد يصل طوله إلى عشرة أمتار، بعمق ثلاثة أمتار تحت سطح الأرض. ويكاد يعيش النمل في حرب مستمرة مع المحيطين به، مذكِّراً إيانا، نحن المؤمنين، بإبليس خصمنا الذي يجول ملتمساً من يبتلعه 1بطرس5: 8. ومن العجيب أن النمل ليس له قائد منظور محدود ومعروف؛ بل كل نملة تعرف عملها المحدَّد لها، وتقوم به على أكمل وجه، في انسجام كامل مع الآخرين، مما يذكرنا بالوضع الذي يجب أن نكون فيه كمؤمنين أعضاء في جسد المسيح الواحد، وهو رأسنا وقائدنا الوحيد.
وكل مجموعة من النمل تنقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
-
الملكة: هي الأنثى التي يقتصر عملها على وضع البيض، وهي تتزوج مرة واحدة في حياتها التي قد تصل إلى 15 سنة.
-
الذكور: تقوم بإخصاب البيض لتكوين الأسراب.
-
الشغالات والجنود: وهي إناث عقيمة، تقوم بكافة الأعمال الأساسية، من جمع الطعام، ورعاية الصغار، والاهتمام بالعش، والدفاع عنه ضد الأعداء ومهاجمتهم. ألا يذكرنا هذا بالمكتوب في 1بطرس4: 10 «ليكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضاً».
ويقوم النمل بتوفير طعامه باجتهاد وترتيب حكيم، فهناك ما يسمى نمل الحصاد الذي يقوم بجمع الحبوب وتخزينها في باطن الأرض، ويساعده نمل يسمّى النمل المهندس الذي يقوم ببناء كباري بجسمه لعبور باقي النمل فوق المياه، ثم يأتي دور ما يسمى بالنمل المختزن للعسل، وهو الذي يعتبر مستودع حي لاختزان الغذاء إلي وقت الشتاء، فهي تبقى داخل جحورها تلتهم الطعام وتخزّنه فقط في جسمها، إلى أن تسوء الأحوال الجوية خارج العش ويصعب الحصول على الغذاء، فتتولى هي إطعام بقية النمل من الغذاء الذي اختزنته في فصل الصيف.
أليس هذا عجيبا!
لهذا يكتب لنا، سليمان الحكيم:
«اذهب إلى النملة أيها الكسلان؛ تأمّل طرقها، وكن حكيماً. التي ليس لها قائد أو عريف أو متسلط، وتُعِّد في الصيف طعامها، وتجمع في الحصاد أكلها» (أمثال6: 6-8).