هو أحد أنبياء الكتاب المقدس، وسفره من أطول أسفار الكتاب، ويحوي أكثر عدد من النبوات المختصَّة بالمسيح. واسم «إشعياء» يعني "يهوه يخلِّص" أو «ياه (الرب) خلاصي»؛ وهذا الاسم يدل على رسالته التي أعلنها. وهو ابن «آموص» (آموص: قوة الله). وقد تنبأ في أثناء حكم ملوك يهوذا: عزيا ويوثام وآحاز وحزقيا؛ وفترة خدمته امتدت من 740 حتى 701 ق.م.
كان متزوجاً وله ابنان الأول: «شآر يشوب» ومعناه "بقية ستعود"، ولعل القصد من ذلك رجوع البقية من السبي. والثاني «مهير شلال حاش بز» ومعناه "سريع إلى النهب والسلب مُتعجِّل إلى الغنيمة"، إشارة إلى آشور وغزوه المدمر للشعب. ويقال إن إشعياء عاش حتى بلغ التسعين من عمره، ويقول تقليد أنه مات منشوراً، ويُحتمل جداً أن يكون هناك تلميح لاستشهاده في عبرانيين 11: 37 «رُجِموا، نُشِروا».
إشعياء ورؤياه
هذا الرجل العظيم، صاحب النبوة الطويلة العريضة، يسجِّل لنا، في الأصحاح السادس، الرؤيا التي يمكن أن نعتبرها نقطة التحول في تاريخه. وفي هذا الاختبار نرى كيف أعدّه الله للعمل العظيم الذي قام به، وما هي الدروس الأساسية التي لا بد لكل خادم حقيقي أن يتعلمها:
رأى الرب
«في سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالساً على كرسيٍ عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل»
أول ما شاهده هو الرب نفسه في مجده العظيم وقداسته الكلية «رأيت السيد (أدوناي: من له السيادة على الجميع)». رآه في سنة وفاة عزيا الملك: الملك العظيم الذي ملك لمدة 52 سنة، لكنه بسبب نجاحه ارتفع قلبه ورغب أن يأخذ وظيفة الكهنوت بالإضافة للمُلك، وكانت هذه خيانة للرب، فضربه الرب بالبرص (2أخبار26: 16-21). وأراد الرب أن يحوِّل نظر إشعياء من الأرض إلى السماء، من ملك عظيم ضُرب بالبرص (النجاسة) لكبريائه، إلى الملك الحقيقي: ربّ الجنود الكلي القداسة. وربما كان إشعياء يفكر في مَن سيملأ فراغ عُزيا بعد 52 سنة من الحكم، فإذ به يرى الملك الدائم، الذي هو الرب يسوع المسيح الأزلي الأبدي (يوحنا12: 41).
ورأى إشعياء أيضاً الملائكة السرافيم، وكلمة السرافيم تعني: الملتهبين أو المشتعلين «الصانع ملائكته رياحاً وخدامه ناراً ملتهبة» (مزمور104: 4). وهم يعبِّرون عن قداسة الله التي تكشف كل دنس، لذا فكل ملاك نادى الآخر قائلاً «قدوس قدوس قدوس رب الجنود». وأجنحة السرافيم تكشف عن حقيقة هامة؛ وهي أن الاقتراب من حضرة الرب والخشوع قدامه «باثنين يغطي وجه وباثنين يغطي رجليه» لا بد أن يسبقا الانطلاق لخدمته «باثنين يطير».
إذاً فالمشهد كله ينبض بالقداسة؛ وهذا هو الدرس الأول لمن يريد أن يخدم الرب «نخدم الله خدمة مرضية بخشوع وتقوى لأن إلهنا نار آكلة» (عبرانيين12: 28، 29).
رأى نفسه
«فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عينيَّ قد رأتا الملك رب الجنود».
بمجرد أن رأى إشعياء الرب في مجده وقداسته انكشفت أمامه حالته فأدرك نجاسته. ومع أنه من أفضل الشخصيات في عصره، وقد استخدمه الرب لتوصيل كلمته لشعبه، لكنه، إزاء عظمة الرب، رأى نفسه على حقيقتها، وأعلن بكل صدق إنه في ذاته لا يختلف عن باقي الشعب، ولا فرق، فالشعب نجس الشفتين وهو كذلك نجس الشفتين. والإقرار بحقيقة النفس يضع في النفس صدقاً وأمانة واتضاعاً. لكننا لا يمكننا أن نتضع وننكسر حقيقةً ما لم ندرك عظمته ومجده أولاً.
وبمجرد أن اعترف إشعياء بحالته، أتاه العلاج الإلهي، إذ طار إليه واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح، ومسّ بها فمه؛ فعلى أساس ذبيحة الجلجثة يمكن لكل من يؤمن أن ينال غفراناً لخطاياه وتطهيراً من نجاسته. ولعلنا نلاحظ هنا أن السيد لم يوبِّخ إشعياء على خطاياه أو ينظر إليه بغضب أو يذله بها، بل سارع في الحال إلى تطهيره عندما اعترف بها.
رأى الرسالة
«ثم سمعت صوت السيد قائلاً: مَن أُرسل ومن يذهب من أجلنا فقلت هأنذا أرسلني».
هنا فقط، وبعد كل ما سبق، سمع إشعياء صوت النداء للخدمة. كثيرون يريدون أن يقوموا بخدمة لله وبأعمال صالحة تحوز رضاه دون أن يدركوا أن إله القداسة يشترط أولاً التطهير من النجاسة بالاغتسال في دم المسيح. ثم أنه لا يمكن أن نذهب للآخرين برسالة مؤثرة دون أن نكون قد تعلمنا عن قداسة الله ونعمته الغافرة.
ودعوة السيد ليست إجبارية لكنها اختيارية «مَنْ أُرسل؟ ومَن يذهب من أجلنا؟». فهو ينتظر القلب المُشتاق والنفس الراغبة «إن أراد أحد أن يأتي ورائي». وقد أجاب إشعياء بالإيجاب «هأنذا أرسلني». إنه يضع نفسه تماماً بين يدي الرب ليرسله كما يشاء، وإلى من يشاء؛ فهو لم يَقُل «هأنذا أذهب»، بل «هأنذا أرسلني». والخدمة الصحيحة تنبع من إرسالية إلهية، لا تكليفات بشرية. لقد قال الرب أيام إرميا «لم أرسل الأنبياء بل هم جروا» (إرميا32: 12)، أما يوحنا المعمدان فقد قيل عنه إنه «مُرسَل مِنْ الله» (يوحنا1: 6).
ومع أن رسالة إشعياء كانت من أصعب الرسائل وأقساها، إذ كان مُرسَلاً لإنذار وتحريض شعب لن يتجاوب ولن يتوب، إلا أنه قَبِلَها، وقام بها على أكمل وجه. إن الله يتمجد عندما يُكرز بكلمته ويُعلَن حقه، سواء قَبِل السامعون أو رفضوا؛ علماً بأن كلمته لا ترجع إليه فارغة. إذاً فلنستمر في الكرازة بالإنجيل كيفما تكون النتائج. وليكن شعارنا «لأننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون، لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة» (2كورنثوس2: 15، 16).