ما أرعب الندم الذي يعيشه الكثيرون في الجحيم الأبدي، وذلك لأن فرصة الحياة الأبدية كانت بين أيديهم ورفضوها، أو أجّلوا طلب خلاصهم. وبطل قصتنا هو واحد من هؤلاء الذين هلكوا. فتعال لنعرف السبب.
من هو؟
هو أنطونيوس فيلكس الذي كان عبدًا وحرَّره الأمبراطور كلوديوس قيصر، ثم أصبح واليًا على اليهودية ما بين عام52-60م. وقد كان لفليكس ثلاث زوجات لا يذكر الكتاب إلا واحده منهن وهي دروسلا أخت أغريباس الثاني. وقد أغراها فيلكس وهي في السادسة عشر من عمرها على ترك زوجها ليتزوجها هو.
ومعنى اسم “فيلكس” سعيدًا، لكنه عاش غريقًا في شروره، تعيسًا في حياته، منفيًا في نهايته، ثم معذَّبَا هالكًا في أبديته!! لماذا؟
أولاً: سمع عن الإيمان بالمسيح، لكن لم يأخذه!!
في أعمال24:24 وقف بولس أمام فيلكــس ليحاكَم بتهمه كاذبة من اليهود، واستحضره فيلكس هذه المرة ليسمع منه عن الإيمان بالمسيح. فهل كان يريد أن يعرف بحق، أم أرضاءً لزوجته اليهودية، أم لمعلومة جديدة عن القضية؟ لا نعلم بالتحديد. لكنه سمع ملخَّص الإنجيل أعنى “الإيمان بالمسيح”، فالإنجيل كله يقدِّم المسيح ابن الله (متى1:1)، مخلِّصًا ومغيِّرًا (أعمال4: 12).
وسمع فيلكس عن الإيمان بالمسيح، أي الثقة القلبية بشخصه وكفَّارته ودمه المطهِّر ليأخذ كل خاطئ آتٍ اليه بهذا الإيمان العفو والغفران، بل «لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يوحنا3: 16).
وللأسف، بدلاً من أن يسمع ويؤمن بالمسيح تائبًا عن شروره، اكتفى فقط بالسمع. لكن السمع وحده لا يكفي ولا يخلِّص. قال الرب يسوع «من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فَلَهُ حياةٌ أبديةٌ ولا يأتي إلى دينونةٍ بل قد انتقل من الموت إلى الحياة» (يوحنا5: 24).
ثانيًا: تأثَّر وأرتعب بالعظة، لكنه دون توبة!
ارتعب فيلكس وبولس يتكلم عن البر والتعفف والدينونه العتيدة أن تكون (أعمال24: 25)!! والحقيقة أن فيلكس لم يكن يقصد إلا أن يتسلى فقط بالفلسفة الدينية، كما أن كثيرين اليوم يحبون الأمور الدينية للتسلية والتبرُّك بها طالما لن تمس واقع قلبهم الشرير!! لكن الروح القدس صوَّب سهامه إلى فيلكس؛ فسمع عن البر وهو غارق في الآثام. وسمع عن التعفف، والذي يعني كبح جماح الشهوات وضبط النفس، وقد كان مستعبدًا للرزيلة حتى أنه خطف زوجة آخر ليعيش معها. وأخيرًا سمع من بولس عن الدينونة، والتي هي المحطة الأخيرة والحتمية لحياة الدنس والخطية، ويقول الكتاب المقدس «واعلم أنه على هذه الأمور كلها يأتي بك الله إلى الدينونة» (جامعة11: 9).
وارتعب فيلكس، لكن وا حسرتاه، دون توبة!! وكم هو رائع أن يرتعب الخاطي من بشاعة خطيته ومن أهوال النيران الأبدية التي تنتظره، لكن هذا وحده لا يكفي، فالأروع أن يجري برعبه إلى المسيح المصلوب مصلّيًا تائبًا:
في رحابك في صليبك
اغسلني ربي بدما الصليب
أدنو منك الآن يا مصدر الحنان
|
|
أحظى بالسلام في ظل دمك
أنت يا من جئت بالفدا العجيب
أدنو منك الآن يا مانح الغـفران
|
إن كان هذا ما لم يفعله فيلكس.. لكنني أصلي أن تفعله أنت والآن أرجوك..
ثالثًا: التأجيل الخطير
بعد أن تأثّر فيلكس برسالة المسيح الخطيرة، قال لبولس «أما الآن فاذهب. ومتى حصلتُ على وقتٍ أستدعيك» (أعمال24: 25). عزيزي.. إنه أسلوب الشيطان الرهيب الذي يضمن به هلاك النفوس، ألا وهو التأجيل، فهو لا يقول “أرفض” بل فقط يقول “ليس الآن”، وهو بهذا يعرف أنه إن ضاعت لحظات التبكيت الإلهي والتأثّر بكلمه الله، سرعان ما ينسى الشخص الموضوع ويعود إلى ما كان عليه! «لذلك كما يقول الروح القدس اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم» (عبرانيين3: 7).
لكن ما سر تأجيل فيلكس قرار قبوله المسيح؟
1. أعتقد لكي لا يبدو ضعيفًا أمام زوجته، أو عاشقته، فهو البطل المغوار والمغرور، والذي لا يتأثر أو تهتز له ساكنة!!
2. في الواقع كان يشغل باله أمر آخر، فهو كان يستحضر بولس مرارًا لعل بولس يفهم و“يشغل دماغه” ويعطيه دراهم ليطلقه!! فلم يأخذ لا الخلاص ولا الدراهم!!
3. كان يخشى على منصبه إذا آمن بالمسيح ربًّا وسيدًا، فهذا معناه أنه يقاوم قيصر. ولم يعلم إن المنصب لا بد وسيُأخذ منه بعد سنتين فقط (أعمال24: 27).
4. كان يظن أنه سيأتي الوقت ليسمع ويبكي ويتوب، فلا داعي للاستعجال! ومات فيلكس منفيًا.. ولا نقرأ أنه قابل بولس مره أخرى، أو تقابل مع المسيح؛ فالحياة قصيرة والفرص لا تعود.
عزيزي.. هلك فيلكس حسب قول الكتاب «الذي لا يؤمن قد دِينَ، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد» (يوحنا3: 18). رغم أنه سمع وتأثر، بل وارتعب لكنه أجل توبته وقبوله المخلِّص العظيم، ظانًا أنه هناك فرصة أخرى، لكن الشيطان خدعه بالتأجيل. لذلك أنادي، بل وأصرخ لك يا من تعيش في خطاياك أن لا تؤجل رجوعك إلى المسيح لأي سبب وهمي أو حقيقي، فالكل حتما سينتهي وتبقى روحك الخالدة، إما في هلاك وعذاب، أو مع المسيح وذاك أفضل جدًا.
«فالله الآن يأمر جميع الناس في كلِّ مكانٍ أن يتوبوا مُتغاضيًا عن أزمنة الجهل. لأنه أقام يومًا هو فيه مُزمِعٌ أن يَدينَ المسكونَةَ بالعدل» (أعمال17: 30).